كلمة في اللطف

آراء 2022/04/03
...

 رعد أطياف
في كثيرٍ من الأحيان خيرٌ لك أن تكون لطيفًا على أن تكون على حق، فـ” إنْ كنتَ فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك”، ذلك أن مجمل قضايانا التي نعرضها على الآخرين قد تجابه بمقاومة عنيفة وشرسة، ليس لأنّها باطلة ولا تتمتع بالترابط المنطقي المحكم، وإنما لأنها تستفز الأوهام الراسخة، وهذه الأخيرة ليست دائمًا تستجيب للمنطق، بقدر ما تحتاج لمقدمات طويلة من اللطف!. كما أنها ليست دائماً تستجيب لمنطق الصدمات، فالطبقات المتراكمة في الذاكرة تسهم بشكلٍ فعّال في صياغة تصورات باطلة عن الذات، حيث يصعب التعامل معها بصيغ منطقية وأساليب صادمة. وأنا أتكلم هنا عن حياتنا الفردية بالذات وطرق التعامل مع الآخرين في حياتنا اليومية، لأن منطق التغيير الاجتماعي له آلياته الخاصة. وبالرجوع إلى حياتنا الفردية، فإن اللطف ليس حالة يشترطها الذوق العام، أي أنه ليس محكوماً بالمواضعات الاجتماعية فحسب. وإنما هو لغة كونية إن صح التعبير. أنه الحالة التي تدلنا على السكينة والدفء بلا مقدمات عقلية صلبة ومتينة. مختلف الثقافات البشرية تتفق على أن الشخص اللطيف يتمتع بجاذبية خاصة لدرجة أنه لا يحتاج إلى مترجم خاص لفهم ماهية اللطف، لأنه يشعرنا بالطمأنينة على الفور قبل أي برهان، وقبل أي جدل منطقي محموم يكدّر الأجواء ويعكّر صفو العلاقات الإنسانية. خصوصًا أننا في كثير من الأحيان نخلط بين الدفاع عن الحقيقة وبين أنانيتنا، أي أننا ننتصر للأنا بحجة الحقيقية. بينما، وبحكم التجارب اليومية، كلّما كنّا لطفاء كان الآخر أقرب إلى الإذعان والتسليم، لكننا نختار الطرق الملتوية التي تختلط فيها الفضاضة والغلظة بحجة عدم المجاملة على حساب الحقيقة. المؤسف في الأمر إننا ننجح بشكل لافت في تعاملنا الرحيم مع باقي الكائنات، بينما نفشل فشلاً ذريعاً مع بني البشر!. حتى بات اللطف والرحمة مقتصرين، عند البعض، في التعامل مع غير البشر، كون البشر أكثر صعوبة في التقبل، وأشرس بما لا يقاس مع باقي الكائنات، وهذا يعطي ذريعة إضافية لنكون أكثر غلظة مع الكائنات البشرية. والمشكلة تكمن فينا لا في اللطف، وتكمن في ذلك الكفاح المحموم للانتصار لأنانيتنا. ولو فهمنا تلك الحقيقة، وهي أن اللطف ليس من الكماليات البشرية، بل هو ضرورة وأساس جوهري لمجمل فعاليتنا الفكرية والسلوكية. يمكننا أن نتواصل مع الكثير من الحيوانات عن طريق اللطف لبساطة لغته، وقوة جاذبيته، وسحره الخاص. فمن باب أولى يمكننا نحن البشر أن نقوم بهذا السلوك في ما بيننا على أكمل وجه!.