بلاغةُ الجملة الأخيرة

آراء 2022/04/05
...

  د. نجاة الزغبي
 
يتحول الجميع الى حكماء، عندما يفوت الأوان وتذرو الريح العاصفة رماد السفن التي احترقت.. لا عودة.. ولم يبقَ سوى الاستمرار الى الأمام موغلين في الخطأ لا قدرة لنا على الالتفات ملتفين حول نفسنا...! انفلت الأمر وصاح القبطان:
 
لينجُ من يستطيع النجاة!
حينها لا يعد ثمة رابط يجمعنا بالآخرين عند تحول السفينة العظيمة الى شظايا ألواح، غارقة في بحر الزمن المتلاطم أمواجاً كالجبال... لا نملك غير قول جملة.. تمتاز ببلاغة لا جدوى منها؛ لأننا انتهينا وفندت الأحداث القضية موضع خلافنا، فكسبنا لها هباء وخسارتنا هباء.. يتساوى النجاح والفشل عندما تعبر المرحلة قضية ما.
حين يفوت الوقت ينبعث.. من فمنا.. قول بليغ نابع من لب الأرض صاعداً الى سمت السماء، لا يسمعه أحد وإذا سمع فلا نفع ولا نفع ولا...
من أشهر الجمل التي قرأتها في المصادر كما لو عشتها، قول سفير العراق في الأمم المتحدة د. محمد الدوري، عند عقد المنظمة اجتماعاً طارئاً للتداول بشأن دخول جيش الإئتلاف العراق يوم الأربعاء 9 نيسان 2003، حيث خلصوا إلى اعتبار الوجود الأميركي في العراق إحتلالاً؛ وبما أن العراق مخترق السيادة؛ فترقن عضويته في الأمم المتحدة، وممثله في المنظمة يلقي كلمة وداع ويغادر جلسة لم يعد لبلده مكاناً فيها؛ لأنه فقد 
الأهلية.
 
وقف د. الدوري على المنصة قائلا:game over انتهت اللعبة، ملخصاً عقوداً من معاناة العراقيين، لم يكن خلالها راضياً عما يجري من كل الأطراف، لكنه موقن أنها لعبة، وكما يقول المثل البغدادي 
"وره كل لعب: بس".
فكانت الـ (بس) العراقية احتلالاً وإرهاباً وطائفيةً وفسادً و...اً جوعاً وتبديدَ ثرواتٍ وgame over من شغاف قلوب الخائفين وهم يسقطون سقوطاً حاداً في هوة 
لا نهائية.
وما زال الحبل على الغارب
وآخر كلمة قالها الكابتن، قبل سقوط الطائرة بالرئيس الأسبق عبد السلام عارف، لزميله كابتن الطائرة التي تقل الحراس "لك داد إلحكلي"، ثم هوت طائرة الرئيس من السماء الى الأرض، وظل ينزف.. حياً.. حتى 
الفجر.
هل يعقل أن طائرة.. حتى لو لم تكن طائرة رئيس الدولة.. تقع وخلفها أخرى شاهدت الموقع "ترس" العين، يتعذر انتشال ركابها ولا يموت منهم سوى شخصين الرئيس وطياره؛ كي يموت معهما رأس الخيط!
هذا ما لخصته شبه الجملة "لك داد إلحكلي" ماذا رأى الطيار واستنجد بزميله؟ سر تبدد في ظلام البحث عن طائرة تحترق في البر، ولا يجدونها إلا عند الفجر، ومعها طائرة أخرى واصلت سبيلها الى بغداد، ولم تعد الى مطار البصرة ولم تنادِ وتعطي إحداثيات عن موقع السقوط.. هل يعقل؟!.
ولخص نابليون بونابرت، أخطاءه في الحكم، عند نفيه الى جزيرة سانت هيلانه: لا أحد مسؤول عن هزيمتي، أنا كنت عدو 
نفسي. 
ما زال في الإنكسار متسع للتفاؤل، فإدركوه قبل فوات الأوان وإنبثاق الجملة الأخيرة من عب بلاغة جوفاء لا جدوى منها 
ولا فائدة فيها.