الحقوقُ البشريَّة

آراء 2022/04/06
...

   ميادة سفر
أوجد العصر الحديث حقوقاً بشرية جديدة مختلفة عن تلك التي نعرفها والتي أقرتها منظمة الأمم المتحدة وشرعة حقوق الإنسان، وهذه الحقوق البشرية تبدو غير مرئية من الدول وغير قابلة للتطبيق {أو لا توجد رغبة لتطبيقها}.
 
فالبشر اليوم يعانون من عدم توفر السلام بين الدول، فالحروب تنتشر في كل بقاع هذه الأرض، ويكاد لا يخلو أسبوع دون خبر عن قتلى وجرحى وتدمير وتهجير هنا وهناك، كما تطولهم تحديات التكنولوجيا، وكذلك تقلبات المناخ وقسوته وموجات الأوبئة، ويخضعون لأسواق النفط والعقارات والمعادن، وكل هذه الأسواق لها تأثيراتها المدمرة في 
البشرية.
لم تنجح الدول مجتمعة في تخفيف معاناة السوريين واليمنيين والعراقيين، وغيرهم من الشعوب الضعيفة والأقليات في العالم، بل على العكس ساهمت ومجتمعة أيضاً في تضييق الخناق على تلك الشعوب، وزادت من معانتهم أضعافاً مضاعفة، تارة بفرض العقوبات الاقتصادية، وطوراً بتوريد أسلحة القتل والتهجير، فلم تتمكن دول العالم لا سيما تلك "العظيمة" في إثبات عظمتها إلا بقتل الشعوب الأخرى وفرض سيطرتها عليها، والضرب بعرض الحائط على كل تلك الحقوق الإنسانية والبشرية التي تنادي بها أمام الإعلام، وتناقضها في الخفاء.
الحقوق البشرية التي أفرزها العصر الحديث ليست معرفة بشكل واضح، وهي تبقى مسلوبة مادامت الدول تهتم بحماية نفسها، وتترك العالم على فوضاه، بل وأحياناً تزيد تلك الفوضى وتشعل النيران أكثر فأكثر، فقد أصبح إنسان اليوم آخر اهتمامات الدول والحكومات، وحتى المنظمات الدولية التي ترفع شعارات خاصة بالإنسان لم تتمكن من تقديم ما يحتاجه من أمن وأمان، ومن مقومات تحافظ على حياته وتحمي البيئة التي يعيش فيها من الدمار، فبقيت شعاراتها حبراً على ورق، واقتصرت على عقد المؤتمرات تلو الأخرى دون أن تتمخض عن أشياء 
مفيدة.
إذ لم تتمكن تلك المؤتمرات التي تعقد دورياً من أجل المناخ من الحد من الانبعاثات الحرارية، ولم تقي الإنسان من الارتفاع المتواصل لدرجة حرارة الأرض التي تهدد بفنائها، وكل ما قدمته منظمة الصحة العالمية أثناء انتشار وباء كورونا هو تقديم الإحصاءات عن أعداد الضحايا ونصائح النظافة وكيفية الوقاية، بينما سارعت شركات الأدوية لإنتاج الأدوية واللقاحات التي مازالت تحوم حولها الكثير من علامات الاستفهام من قبل البعض!
الحقوق البشرية التي نتحدث عنها مرتبطة بالإنسان ككائن بشري لديه حقوق من واجب دولته التي ينتمي إليها تأمينها له، ومن واجبها حمايته من الموت أياً كانت أسبابه، وتوفير سبل الحياة من أمان وسلام وطعام وتعليم وغيرها من أسس باتت مفقودة في بعض بقاع الأرض، تلك الحقوق تقضي تحييد الإنسان عن تأثيرات ارتفاع أو انخفاض مؤشرات البورصة العالمية وسعر برميل النفط والذهب، وحمايته من آثار التكنولوجيا على حياته حين باتت كلها مرهونة أمام شاشة صغيرة لا يدعى حجمها كف اليد الواحدة، وتحول الإنسان إلى كائن مستلب الإرادة والشخصية، وتحولت المشاعر والعواطف البشرية إلى قوالب من جليد، فكثرت الجرائم وانتشرت 
الفوضى.
على الدول التي تتحكم اليوم بمصائر شعوب العالم أن تلتفت قليلاً إلى الإنسان وتنظر إليه من حيث هو كائن بشري، من شأن استمرار وجوده أن يبقي الأرض موجودة والعكس صحيح، غير أن هذا الأمر يبدو ضرباً من خيال، مادامت الدول تنقسم بين شرق وغرب وشمال وجنوب، ستبقى الدول الضعيفة ومن بينها دولنا حقل تجارب لأسلحة مختلفة تحقق انتصارات وهمية، وبالتالي تنقص من عمر الكوكب.