الساكن والمُتحرِّك مسرحيَّاً

ثقافة 2022/04/06
...

 د. بشار عليوي
 
بدايةً لا بُدَّ من الإشارة الى أن المُقاربةً الإخراجيَّة التي يتبناها المُخرج المسرحي لعرضهِ، لا بُدَّ لها من تدعيمٍ وترصين قائم على امتلاك المُخرج أدوات إخراجيّة فاعلةً قادرةً على إعادة إنتاج خطاب العرض وفق مُتبنيات جمالية وفكرية وفقَ رؤيةٍ بصريةٍ قادرة على مُحايثة المتن النصيّ للعرض بُغية تقديم مُنتج جمالي تحتَ يافطة (عرض مسرحي) فهل استطاع المُخرج علي عصام أن يُحقق ذلك وفقاً لكُل ما تقدم؟، هذا ما تسعى إليه هذه الورقة عبرَ مُلاحقة مُنتج «عصام» بعرض (حدث في كُل مرة) تأليف: عمار نعمة جابر، نقدياً.  العرض من إخراج: علي عصام، وإنتاج: قسم المسارح بدائرة السينما والمسرح في البصرة، تمثيل كُلّ من (بدور العبد الله / أحمد الشمال/ أحمد محمد). ثمة أسرة (زوج وزوجة) تحاول تغيير مسار حياتها عبر اتخاذ قرار بإنجاب طفل جديد هوَ ما تتمحور حولهُ ماهية العرض القصصيَّة، إذ تأمل هذهِ الأسرة من هذا المولود الجديد أن يُغيّر حياتها وتطلّعاتها، فتبدو رغبة الزوجة (جسَّدتْ شخصيتها بدور العبد الله) جامحة وشديدة في السعي الحثيث لاستيلاد هذا الطفل وبكُلّ الطرق المُتاحةِ أمامها، تقابلها مُمانعة أشد من قبل الزوج (جسَّدَ شخصيتهِ أحمد محمد). 
تركن نصوص عمار نعمة جابر الى تبني قضايا اجتماعية مُلحّة، وإعادة إنتاجها برؤى فلسفية قائمة على مُتبنيات الكاتب نفسه ومنها هذا النص، رغم سكونيتهِ الشديدة التي تُحيلَ أيّ لاعب إخراجي يتعاطى معهُ الى ضرورة حيازة مُمكنات رؤيوية قادرة على تفكيك هذهِ السكونية على الركح عبرَ انتاج صور دلالية قادرة على مُجاراة آليات التلقي التي تحفل بكُلّ ما هو صوري ومُتحرك، فنص (جابر) هوَ نص ساكن يستعصي على التجسيد وكأن النص كُتبَ ليقرأ فقط وليس لتجسيدهِ صوريّاً، وهذا ما ألقى بظلالهِ على الرؤية الإخراجية لعلي عصام الذي نجح بامتياز في مُجاراة هذا «الفخ» النَّصيّ عبرَ إعادة تركيب تمظهرات النص صورياً مُحافظاً على تلكَ السكونية في إيقاع العرض بشكل قصدي وفقاً لسير خط الأحداث أُفقياً المُتجسّدة باللافتات التي حفلَ بها العرض والتي فصمتهُ الى جُزأين، تمحور الجزء الأول منهُ حول جدليّةً التمهيد لفعل الولادة:
الزوجة: هل ترغب بطفل جيد؟
أما الجزء الثاني فتمحور حولَ الانتقال من تلكَ الجدلية الى وضع المعادل الموضوعي في العرض (الزوج) أمام حتمية القبول والرضوخ 
 الزوجة: سأغتصبكَ إذا اقتضى الأمر.
لقد حاولَ المُخرج علي عصام أن يُقدم لنا مُقاربة إخراجية مُغايرة ومُتحرّكة بصرياً لنصّ ساكن عبرَ استثمار الثنائيات التي حفلَ بها النصّ بُغية تجسيد تلكَ الثُنائيات على صعيد شخوص النص المحورية (الزوج الزوجة)، حينما انسحب ذلكَ على باقي مُتبديات العرض، فأوجدَ (عصام) طاولة ذات استطالة بقصدية التعبير عن التباعد والاختلاف ما بين مرامي الشخوص رغم وجودها في فضاء درامي واحد «البيت» مع وجود تلكَ الشخصية المُحركة والدافعة للأحداث باتجاه الزوج تارةً وباتجاه الزوجة تارةً أُخرى «شخصية الخادم» (جسدها أحمد الشمال) ولم يُسعف العرض فضاء مسرح «سمير اميس» المكاني، فبدا عارياً وغير مؤثث بشكل يخدم العرض أكثر ويرفع من وتيرة «الحركية» التي لجأ إليها المُخرج للإفلات من مُهيمنات «سكونية» النص فجاءَ ذلكَ العُريّ الدرامي لفضاء المسرح بشكل مُتساوق مع مُعطيات النص.
حفلَ الأداء التمثيلي لهذا العرض بالكثير من الإلتماعات الواضحة جسدها الأداء التمثيلي المحسوب والمُنضبط للمؤدية (بدور العبد الله) التي أعلن مهرجان العراق الوطني الأول للمسرح عن ولادة طاقة تمثيلة نسويّة تُعد إضافة جديدة للمسرح العراقي، تلكَ هي الممثلة (بدور العبد الله) في هذا
العرض. 
إذ أفصحت عن إمكانيات أدائية هائلة جسدياً وصوتياً مع مقدرة واضحة في الانتقالات السريعة بمختلف حالات الشخصية المؤداة، بوصفها شخصية مُركّبة استطاعت (العبد الله) أن تُحايث أبعادها بجميع أنساقها بشكل رفعَ من وتيرة العرض بصرياً، رُغمَ أن النص مبني على ثُنائية (الزوج والزوج) وباقي متبدياتها، كما يُمكن تأشير التماعات أداء شخصية الخادم التي أداها بتَمَكُّن واضح المؤدي (أحمد الشمال) فكان «جوكر» العرض والمُحرّك الفعلي لأحداثهِ ولشخوصهِ وكانَ من علامات العرض البارزة بجميع انتقالاتهِ المحسوبة، ليُختتم العرض الذي يُمكن وصفهِ بـ (عرض بارد) على صعيد مُعطيات رسومات الشخوص وإيقاع حركتها، بفعل اغتصاب الزوج من أجل تحقق فعل استيلاد الطفل، لينثال دلالةً مُعبرة عن أن القتل والإرهاب الذي حفلتْ بهِ حياتنا على مدى سنوات وسنوات، لا يُمكن أن ينتهي إلا بتغليب لغة العقل والمنطق، وهي دلالة محسوبة من المُخرج الذي سعى جاهداً لتقديم مُقاربة إخراجية ذات حركيّة فاعلة على حساب سكونية نص كُتبَ ليُقرأ، فنجح فيها.