تأثير الفن الإسلامي عالميَّاً

ثقافة 2022/04/06
...

 مرتضى الجصاني
يعد الفن الإسلامي من الفنون التي سايرت الكثير من العصور والمدارس الفنية العالمية، ذلك لما يحتويه هذا الفن من غموض ساحر واختزال عميق يتراوح بين الثبات والتغيير، وهذه الخصائص جعلت من الفن الإسلامي مادة مهمة في مسيرة الفن العالمي، إذ شد انتباه كبار الفنانين وتأثروا به من خلال زياراتهم إلى دول المشرق العربي وشمال أفريقيا 
 
كما حدث مع هنري ماتيس في زيارته إلى المغرب عام 1912 وبول كيلي في زيارته إلى تونس عام 1914، وزيارته إلى مصر 1929، وظهر هذا التأثر في أعمال ماتيس وغيره على شكل تفاصيل دقيقة من المنمنمات والزخارف الدقيقة كل هذا متضمنا روحانية عالية وصوفية في لوحات الفن الإسلامي بصورة عامة والخط العربي بصورة خاصة.
نحن نعرف أن الخط هو تطور طبيعي للصورة بمعنى أكثر دقة هو تطور لتصوير الكلمة الذي كان معروفا سابقا، إذ تجرّدت الصورة لتكون خطا أي أكثر تجرّدا، لذلك كان تطورا مثيرا في الكتابة بصورة عامة والخط فيما بعد، ذلك بسبب الاختزال الكبير في الدلالة الفنية وانفتاحها الكبير في آن واحد، إذ اختزلت الكتابة كل الأمور المراد قولها عن طريق صورة الكلمة والتي غالبا لا توفق بصورة تامة، هذا الأمر جعل الخط أكثر اختزالا للموضوع وبالوقت نفسه هو أكثر انفتاحا للمعنى والدلالة، ولما كان الخط هو تطورا مدهشا للصورة إذن تصبح لوحات التصوير الخطي هي اجترار للماضي بصورة أكثر سطحية، وربما أراد بعض الخطاطين أن يبرز قدرته أو مهارته في إجادة الخط عن طريق الرسم بالخط، والحقيقة هذا الأمر أخذ منحى آخر، إذ أصبحت اللوحة خالية من الخط والرسم معا ذلك بسبب ضعف الحرف الذي يتم استخدامه لعدة أسباب منها عدم تمكن الخطاط واللجوء الى الحشو المفرط في سبيل إخفاء عيوب الحرف أو استخدام حروف حاسوبية جاهزة وعدم معرفة علاقة الحرف مع الآخر والجهل باتصالات الحروف، أما خلو اللوحة من الرسم فهذا أمر وارد جدا ذلك بسبب أن الرسم له أدواته التي من خلالها يمكن التعبير بصورة أكثر جمالية وأكثر تجربة مع البعد البصري، ولا ضير في استخدام أدوات جديدة أو خامات جديدة، فالتجريب أمر مطور للفن بصورة أساسية إنما الأمر يتعلق بفن على حساب فن آخر وتشويه معانيه الجمالية وعدم المعرفة في أسراره الكامنة ولا في بعدها البصري لذلك تصبح اللوحة شيئا من التشويه البصري، وهذا أيضا يؤشر على أمر مهم جدا ألا وهو ضعف التعبير عن طريق الخط مما يدفع البعض الى الاتكاء على فنون أخرى ليس له علم بأسرارها، ومن ثم تتشوه اللوحة بصريا، لا مانع من تصوير عمل فني عن طريق المحتوى لكن السطحية تفرض نفسها في أغلب الأحيان عن طريق الطرح المباشر الذي يقلل من جمالية تفكيك اللوحة عند المتلقي.  ومن هنا لا بد من التأكيد على أن تأثير الفن الإسلامي في أعمال ماتيس وبول كلي هو ليس تأثيرا مباشرا كما يتصور البعض، إذ لم نَرَ الخط العربي كما نعرفه في أعمالهم بل جاء على شكل ترميز وروح من الزخرف العربي وإيهام بالمشهد البصري على دلالة الفن الإسلامي، وظهر ذلك في اتجاهات جديدة للفن في الغرب مع القرن التاسع عشر من خلال تجليات الفن الإسلامي في اللوحة كما حدث في أعمال هنري ماتيس واستخدامه للألوان المشرقية التي أطلق عليها المدرسة الوحشية، وحتى لا يتخيّل البعض أن ماتيس وبول كلي ينسخون ما يرون بصورة مباشرة بل على العكس تماما كان التأثر صوفيّا يغرق في تجليات عميقة تظهر بشكل يكاد يكون طيفا أو سحرا على قماش اللوحة. 
لم يتوقف الفن الإسلامي عن التأثير في الفن الغربي بل كان أيضا مادة مهمة للنقد والدراسة والبحث من المشتغلين بهذا المجال كالباحث اليوناني ألكسندر بابا الذي منح الخط العربي الريادة مقارنة مع الخطوط الأخرى لما يمتلكه من طواعية وتجريد وروحانية، وكذلك غرابار الذي اهتم بدراسة الزخرفة والمنمنمات وغيرهم الكثير مثل الناقدة الألمانية سيجريد كالا التي وصفت معرضا للخط شاهدته أثناء زيارتها إلى بغداد عام 1974 إذ قالت ما مضمونه: لعلّني لا أغالي كثيرا إذا قلت إنّي لم أشاهد نتاجا يفصح عن مصدره العربي مثل الفن المتصل باللغة وهو الخط
العربي.