المتصوف يكتب باسم مستعار

ثقافة 2022/04/06
...

 علي ماجد
يقول الشاعر والترجي أندرو إن حلمي يافوز ليس فقط شاعرا ولد من رحم الثقافة الأناضولية، إنما هو شاعر عالمي له القدرة على أن يجمع بين تراث البشرية. استطاع أن يصقل موهبته وأن يحيط بالإرث التاريخي بالنسبة للمشهد التركي. ينسج شعره من الأحاسيس التي تتقافزُ في روحه، لا يستبعد أي شيء، قادر على تغذية شعره من الحزن والفرح معاً.
 
 هو أحد الشعراء النادرين الذين استطاعوا كتابة الشعر من دون المساومة على الشعر نفسه. فمنذ أن نشر كتابه الأول «مشاهد الطيور» عرفنا بأن التقليد هو استخلاص ما لم يتغير من الأشياء الماضية. لقد نجح في استخدام كل ميراث التاريخ البشري في كتاباته، لكن وفق طريقته الخاصة. كان أنيقاً في طرحه للأشياء حتى وإن كانت أسلوبيته تشي بها
التقليدية. 
فهو يعتمد على التلاعب الخفي بنصه مستخدماً التراكيب المدهشة. كانت قصائده مفتوحة على القرّاء لأنّه يرمي الى الجمع دائماً. هو أحد أكثر الشعراء استخداماً للمرادفات الشعريّة. لا يعرفُ من أين يبدأ وأين ينتهي. يأتي مثقلا، غريباً مثل أي نازح في عمره خائفا على نفسه. على الرغم من كونه منظراً جيداً وفيلسوفا في طرحه، إلا أنه كان يحترم الخصوصية في الطرح. يعرف الشعر والفلسفة على أنّهما شيئان مختلفان، فلم يتفلسف في النص إطلاقاً، يأتي من النهاية دائماً. إن قصيدة حلمي يافوز تشكل إحدى الحلقات المهمة في شعرية الواقع التركي المعاصر، وإن الخطابات التاريخية في الشعر لم تحد من مصير الشعر بشكل كامل على الرغم من وجودها لكن يبقى الطريق سالكاً أمام الشعر والشعراء.
ولد الشاعر المعاصر التركي حلمي يافوز في14  أبريل عام 1963 في إسطنبول. تخرج من مدرسة كاباتاش ”kapataş الثانوية عام 1947. لم يكمل الجامعة. ترك كلية الحقوق في جامعة إسطنبول، ليتوجه بعدها الى إنكلترا. عمل في هيئة الإذاعة التركية BBC عام 1969. تخرج من جامعة لندن قسم الفلسفة عام 1969.كتب في العديد من الصحف العالمية والمحلية وأهمها جريدة الجمهورية التي كان يكتب بها باسم مستعار. استخدم العديد من الأسماء المستعارة مثل “عثمان شيرفان” و “يافوز امريكان” وغيرها من الأسماء. 
أصبح عضوا في هيئة التدريس ورئيساً لقسم الثقافة في بلدية اسطنبول. عمل أيضاً محاضرا تدريسياً في جامعة “بوازچه”  “Boğaziçi” استطاع أن يعد سلسلة من البرامج الشعرية منها “طيلة الليل “ و “على الشعر دائماً نلتقي”.
نشر قصيدته الأولى “أغنية الصباح” في مجلة الصقيع بإشراف الشاعر بهجت نيكاتيجيل. في هذهِ الفترة كتب الكثير من القصائد التي أعطت الأولوية للصورة تحت تأثير الحركة الجديدة. مع استمرار فهمه الخيالي للشعر استطاع أن يبتكر لنفسه نصاً شعرياً فريداً يختلف مفهومه عن مفهوم جماعة الجديد الثاني. دمج التقليدية والمنظور المعاصر في جوهر متوازن. خلق اقتصاداً فريداً للكلمات من خلال استخدامه للفلسفة الصوفيَّة في قصائده. بينما كان منشغلاً باسمه المستعار الذي أعده خشية العيون التي كان تلاحقه، تمكّن من اصدار مجلة شعرية مع أصدقائه الشعراء آنذاك “اراداراوزو”،”اونات كوتلار”، و”كمال اوزار”. 
بعد صدور المجلة نشر فيها الشاعر الشهير “جمال ثريا” مقالاً جريئاً معنونا “الفولكور عدو الشعر” رمى من خلاله الأساليب التقليدية التي غلفت شعرهم. لم يترك حلمي يافوز نفسه بعيداً عن الشعر كان محيطاً به رغم اسمه المستعار. كان حائراً بالجسد، منشغلاً بتأديب النفس وجلد الذات، مغرما بالتصوّفِ، يفحص في صراع الجسد الدائم. 
تركزت قصائده على الجسد والذات وأنين الأيام التي تمرح في قلب الإنسان التائه. غريباً أمر هذا الشاعر، كان يكتبُ من دون أن يعطي أهمية للفواصل داخل النص. لا يحب الوقوف حتى في استخدامه للفترات الشعرية في نصه، كأنه يقول كيف لنا أن نعتني بالوحشة التي نصارع بها أيامنا! كي نكتب حرفا واحداً، يمكننا من الخروج من هذهِ الفوضى التي تهزُّ أرواحنا!، ليبقى حائراً، منشغلاً بوئامه للعزف الخفي، منشغلًا في الورقة البيضاء التي تتوسّط صفاء طاولته. كل هذا فقط لكونه شاعراً متصوّفاً حتى في اسمه
المستعار.