شبه جزيرة الحطب

ثقافة 2022/04/09
...

  أ.د. باسم الأعسم
 
قدمت فرقة النجف الوطنية للتمثيل على مسرح قصر الثقافة والفنون في الديوانية. مسرحية (شبه جزيرة الحطب) تأليف الكاتب سعد هدَّابي وإخراج إيثار الفضلي، وتمثيل أربعة ممثلين أمتعوا الجمهور بلعبهم الفني الجميل والبليغ. لقد استهلَّ العرض بمسمع حواري بمثابة الراوي الذي يلخص جوهر الحكاية في عرض أريد له أن يكون لعبه مزدانة بالحركة وتمثيل الأدوار أمام الجمهور على وفق منهج (برتولدبرشت) كيما يؤكد الممثلون للجمهور أنّهم يمثلون بعض المواقف متوزعة بين الأداء الجماعي والأداء الفردي بقصد تقديم أفكار العرض على طبق من فن، إذ إن كل شيء في هذا العرض في حركة فنية وتغيّر مستمرين، وثمة تحول سيميائي في الصندوق الذي تحوّل الى أكثر من علامة دالّة، بنباهة المخرج وفطنته.
لقد إتكأ العرض على ثلاثة أنساق رئيسة شكلت الجوهر البنائي لنص خطاب العرض المسرحي وهي كالآتي: (رمزية النص، خفة الحركة، الكوميديا الساخرة) ويشكل البعد السياسي التاريخي جزءاً من رمزية النص المشفّر من عنوانه (شبه جزيرة الخطب) والحطب كناية واضحة عن اليباس أو الموت.
وعلى حدِّ قول أحد الممثلين: إنَّ (التاريخ مكتوب بمداد من الخمرة المعتّقة)، على وفق مزاوجة بين التراث والمعاصرة، عبر إدانة الملوك الطغاة بأداء حركي جميل، زاوج بين الرقص والغناء، بمعنى أنَّ الممثلين قد سرّبوا بعض الأفكار والآراء بطرائق حركية أوصلت المقولات الحساسة من قبيل (نشرع التهم لكلِّ معتدٍ أثيم) أو (اقرعوا طبول الشرِّ حتى يصدقنا الجميع) و(اقرعوا طبول الخرافة حتى يذعن لنا الجميع)، وسوى ذلك من مقولات مثخنات بالهمِّ والتساؤلات المصيريَّة.
إنَّ هذا العرض ينتمي الى نمط العروض المسرحية الجسدية التي تتخذ من أجساد الممثلين وسيلة لبناء سينوغرافيا العرض المتشكّلة بأنساقها الثابتة والمتحرّكة، فالفضاء المسرحي عارِ من أيّما كتلة أو اكسسوارات سوى صندوق متحرّك وكراسٍ بعدد الممثلين، أي أن هذا العرض أقرب ما يكون الى العروض الفقيرة شكلا والغنية مضموناً ودلالة، وهذا هو المهم، بمعنى أنّ العرض قد خلا من الكتل الديكورية الثابتة والجاثمة على صدور الجمهور وبفضل خفة الحركات والتكوينات فقد نأى العرض عن الرتابة اللفظية والإيقاعية، وتلك من أخصِّ جمالياته، ولو اختزل لكان أجمل، لكن التنوّع الأدائي لدى الممثلين (أمير إحسان ومحسن حيدر وحسين الصيداوي وستار محمد) قد صدم آفاق الجمهور، وأحداث المتعة، بعفوية آسرة، فلقد ترك هذا العرض المسرحي المحترف بفضل وعي المخرج (إيثار الفضلي) الذي وظف إمكاناته وثقافته الأكاديمية ترك آثاره 
الطيبة فأنجز هذا العرض المثقف الذي نال استجابة الجمهور بتلقائية واضحة.