ذكرى الصدر

الصفحة الاخيرة 2022/04/09
...

جواد علي كسار
على خلفية تأليفه لكتاب «الأسس المنطقية للاستقراء» نشأت علاقة لم تكتمل بين السيد محمد باقر الصدر وزكي نجيب محمود، شأنها في ذلك شأن الكثير من العلاقات المعرفية التي لم تتطوّر، مع ذوات فكرية وأسماء لامعة في عالم الفكر، مثل عبد الله درّاز ومالك بن نبي وعلي شريعتي وعلي الوردي وغيرهم بالعشرات، مرّت لهم إشارات نافذة في كلام الصدر وأحاديثه وما نُقل عنه، وأحياناً في ما بقي من رسائله التي بذل السيد حامد الموسوي جهداً مضنياً نفيساً في جمعها، استكمله أحمد أبو زيد في أبرز مشروع توثيقي عن الشهيد الصدر، عبر موسوعته «محمد باقر الصدر: السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق».
من الصلات المعرفية هذه التي وصلتنا عنها صورة توثيقية لا بأس بها، زيارة قام بها المستشرق الألماني كونتر ردمان إلى النجف الأشرف في أيلول 1964م، وحمل معه 
هموم استكشاف موقف حاضرة النجف ومدرستها من القياس، 
ودوره في الاستنباط الفقهي، 
كأحد لوازم رسالة دكتوراه له عن الموضوع.
أوضح له السيد الصدر بكلام مدرسي وأسلوب منهجي، أن للاجتهاد ثلاث مراحل، الأولى؛ هي استنباط الحكم على وجه اليقين من القرآن والحديث المتواتر، والثانية استنباطه من الأدلة التي ثبت العمل بها على نحو قطعي، والأخيرة ممارسة الاجتهاد من خلال القوانين الكلية والأصول العملية، استناداً إلى مشروعيتها كأدلة قطعية، ما يعني 
أن عملية الاجتهاد تستغني عن القياس.
أجل، ذكر الصدر للدارس الألماني أن القياس على أقسام ثلاثة؛ منصوص العلة، وقياس الأولوية، ومستنبط العلة، ولا مشكلة لمجتهدي حاضرة النجف الأشرف، من العمل بالأول والثاني دون الثالث.
وتضمّن اللقاء نقاطاً مهمّة عن القياس المنطقي ودوره في تكوين المعرفة، وقصة حصر الاجتهاد عند المسلمين، وموقف الشيعة من الدولة، ويمكن العودة إليها تفصيلاً (السيرة والمسيرة، ج 2، ص 9ـ 15).
هذه الواقعة وما هو على شاكلتها، تترك في النفس غصّة؛ غصّة خسارة حاضرة النجف الأشرف والعراق لطاقة فكرية جبارة، بما كان يتحلى به الشهيد الصدر من جهاز عقلي متين، ورؤية علمية صارمة، وانفتاح على تيارات المعرفة الإنسانية، لكن إنا لله وإنا إليه راجعون.