مارفن شانكين
ترجمة: مي اسماعيل
في حوار دار سنة 2003 تحدث مخرج فيلم "العراب" فرانسيس فورد كابولا عن أسرار العمل وإخراجه، وعن المصاعب التي واجهها بإصراره على اختيار الممثلين والفقرات التي انتقاها من النص الأصلي لكاتب الرواية ماريو بوزو، والآن، وبحلول الذكرى الخمسين لأول عروض الفيلم أُعيد نشر هذه المقابلة.
يُعتبر فيلم العراب اليوم واحداً من أهم نتاجات السينما الأميركية؛ لكن تردد الحديث حينها أن شركة "باراماونت" المنتجة عرضت العمل على نحو ثلاثين مخرجاً، لكنهم رفضوه جميعا، قال كابولا: "لا أعرف إن كانوا ثلاثين بالفعل؛ لكن العديد من المخرجين رفضوا الفيلم بالفعل، وكان هناك فيلم قبل عام واحد استند على رواية "الأخوة- BrotherhoodThe"، مثله كيرك دوغلاس، وكان إنتاجاً كبيراً عن المافيا؛ لكنه لم يُلاقِ نجاحاً، وحين جاء فيلم "العرّاب" اعتقد كثيرون أنه لن ينجح، وهوليوود سريعة الحكم على مدى نجاح الأعمال، أراد المنتجون إعداد فيلم رخيص عن الرواية؛ لذا بحثوا عن مخرج شاب يعمل وفقاً لتقنيات الانتاج الاقتصادي الجديدة، قرأتُ الرواية، وهي لم تكن لروائي إيطالي أديب؛ بل كتبها رجل ايطالي- أميركي من بروكلين، رأيتُ حينها أن قصة الاخوة والأب المنتمين إلى المافيا كانت مشوقة، وتخليتُ عن مسارات روائية أخرى؛ لذا رفضت العمل، حينها قال لي جورج لوكاس (الذي كان شريكي وداعمي في ذلك الوقت): "لا ترفض العمل يافرانسيس؛ فنحن مفلسون وعاطلون، ابحث عما يهمك في العمل كما تشاء"، لذا ذهبت إلى المكتبة وأجريتُ بحثاً عن المافيا".
* ألم تكن تعرف شيئاً عن المافيا؟ مضى كابولا قائلا: "لم أكن أعرف شيئاً عنهم ولا أسلوب عملهم، كانت أعمالي السابقة تدور حول الحروب ولم تكن قد عُرضت بعد.. ولم أكن ناجحاً قرأتُ عن المافيا وعاودتُ قراءة "العراب".. قطعت الرواية إلى أوراق منفصلة ووضعتها في ملف كبير، وبدأتُ بتأشير النصوص التي اخترتها لرسم كل مشهد، هكذا حلّلتُ الكتاب مرّكزاً على قصة الأب والأبناء، وربطتها كقصة كلاسيكية لرجل يبحث عمن يخلفه في عمله، كان هناك الابن الأكبر القوي، والثاني طائش بعض الشيء، والابن الأصغر (الذي ربما كان يحبه أكثر) وهو بطل حرب يرغب بالعمل في السياسة وليس بالجرائم القذرة، كان هذا هو الفيلم الذي رغبت بإخراجه".
* متى أدركت أن الفيلم نجح لدى الجمهور؟ أجاب كابولا: "كان ذلك بعد العرض؛ لكن الفيلم كان مستهجناً لدى "باراماونت"، لم يحبوه ولم يحبوني ولا فكرتي، أرادت الشركة إعطاء دور "مايكل كورليوني" إلى الممثل "روبرت ريدفورد"؛ لكنني قلت "انه رجل ذكي ورائع؛ لكنه لا يبدو ايطالياً" ثم اقترحوا "ريان أونيل"؛ لأنه كان بطل فيلم "قصة حب" الناجح قريبا، لقد اعتقدوا فعلا انه خيار جيد لأنه شاب ونجم مشهور، كذلك اقترحوا "إيرنست بورغانين" بدور الأب "فيتو كورليوني"، لقد بدؤوا باختيار الكادر؛ ولعل أحد أسباب تكليفي بالعمل كان اعتقادهم أن باستطاعتهم تحريكي كما يشاؤون، قلتُ لهم: "لا أعرف الآن من سيؤدي دور العراب؛ لكن هناك ممثلاً شاباً يتمثل لي كلما قرأت مشاهد "مايكل"، وتصورته يسير في شمس صقلية مع الفتاة وخلفه الحرس"، سألني "ايفانز" رئيس الانتاج بباراماونت: "ما اسمه؟"؛ فقلت: "اسمه "آل باتشينو"؛ لم يسبق له التمثيل في فيلم".. قال: "كلا بالتأكيد.. لن يمثل باتشينو دور مايكل، ولن تُدخله إلى هذا الفيلم ولن تُصوّر في نيويورك، وهذا نهائي"، استطرد كابولا قائلا: "لا أُريد ايطالياً حقيقياً لدور العرّاب؛ بل ايطالي- أميركي، أو ممثل بارع جداً ليقدم شخصية الايطالي- الأميركي، من هما أعظم أبطال التمثيل؟ "لورنس أوليفييه" و"مارلون براندو". أوليفييه انكليزي، لكن وجهه بديع ويمكنني رؤيته يؤدي دور فيتو، وبراندو بطل أبطالي؛ لكنه صغير السن (47 سنة) ووسيم"، استعلمنا عنهما؛ كان أوليفييه مريضاً وممتنعاً عن العمل؛ فلم لا نذهب إلى براندو؟.
ذهبنا إلى منزل براندو لنجري اختبار التمثيل (الذي أصرّت عليه باراماونت)، ووصلنا داره عند السابعة صباحا، صورنا له مشاهد وهو يتناول الجبن والمأكولات الايطالية، ويشعل السيكار.. لقد بدأ يتحول إلى الشخصية فعلا، كان الاختبار مذهلا، فذهبت بالفيلم إلى مكتب شركة "كالف+ ويسترن" المالكة لباراماونت بنيويورك لإقناع رئيس مجلس ادارتها؛ وهو صاحب الكلمة الفصل، وبعد رؤية الفيلم وافق المدير.
* وكيف أقنعت براندو بتمثيل الفيلم لقاء أجر لا يكاد يساوي شيئا؟ أجاب كابولا: "لقد كان عاطلا؛ إذ كان فيلمه الأخير كارثة ولم يعد أحد يرغب بالعمل معه، لكنه لم يعمل مجانا؛ بل تلقى نحو ثلاثمئة ألف دولار؛ وهو أمر ندم عليه كثيرا؛ إذ لم تكن له نسبة من الأرباح.. (نال براندو مليون دولار كأجر عن دوره بفيلم "تمرد على السفينة باونتي" قبل عشر سنوات من فيلم العراب)، استمر الصراع طيلة فترة العمل وحتى المونتاج، اعترضت الشركة على الموسيقى؛ واقتطعوا نصف ساعة (بعدما هددوا بالاستغناء عني بحجة تدمير العمل)؛ ثم أعادوها لاحقا وتفاخروا أنهم أنقذوا الفيلم! كانت تجربة مريعة بالنسبة لي؛ كرهتها تماما، وما زلتُ أكره ذكراها".
عن موقع {هواة السيغار}