لا مناديل للدمع السياسي

آراء 2022/04/11
...

 علي إبراهيم الياسري
 
حين يكون الدمع ضرورة أكثر من العين نفسها، تيقنوا أن الدموع سياسية، في قرارتها أنها تكفي لغفران الأخطاء الجسام ما تقدم منها وما تأخر. هكذا يراهن السياسي على دمعه الذي لا يبكيه، دمعه الساخن على خدود جمهوره!.
من يدقق في نهج سياسيي العراق على مرِّ السنوات المنصرمة، سيجد أن الرؤية، تغيب في الغالب، لترتفع أسهم النياح. الأهم هو البكاء والشعور بالفاجعة، حتى أصبح الظفر بأصوات الناخبين فرصة لتأكيد المظلوميَّة بدلا من تمهيده الطريق لبناء 
الدولة. 
هذا ما أفرز جمهوراً مستعداً للدفاع عن السياسي، من دون أن يدافع السياسي بدوره عن الجمهور. فها هو على مدار سنوات، يتنقل بين المحاور بدعوى أن السياسة فن تشارك، مستميتاً في الدفاع عن فكرة «تقاسم الكعكة» التي تحترق منذ ما يقارب عقدين في مطبخ الفرقاء من دون أن يتذوقها 
العراقيون….
يتقاتل بعض الساسة على المشاركة في الحكومة، لكنهم يخافون الدولة، وهذا ما فعلوه ويفعلونه إلى الآن، لقد أخافوا وخافوا. في داخلهم نبذ قديم للدولة يُستعاد دائما ما إن تعارضت مصالح الحزب ومصالح النظام. يريدون التشارك في الحكومة، ليحيدوا عن طريقها في اللحظات الحاسمة من دون حسيب ولا رقيب، يريدون فكرة القاضي ويا حبذا لو كانت المطرقة هي أداة الجريمة. إنّها مهارة أن «أسرقك» باليد التي ترتفع بالدعاء لك، أن أنصرك باليد التي دفعت بك إلى المجاهيل. 
ماذا يحدث الآن؟ لا شيء، لقد أعاقوا النظام باللا شيء، باللا مشروع. حافلة آمال العراقيين مرهونة برجال مرور غرباء (لا يشبهون أولئك الذين نعرف)، كل إشاراتهم حمر. إنّها بلون الدم. 
الأخطر من الانغلاق السياسي، هو انسداد أفق الانتقال السلمي للسلطة في أذهان الناس، فأن تُختزل الحلول بالسياسي لا بالسياسة؛ هذا يعني التعويل على أدعياء الحق، وركن الحق جانبا. التعويل الذي قادنا إلى العويل على المساكين الذين ماتوا ويموتون لأجل قضايا غيرهم، لأجل ما لا يؤمنون
 به. 
إنّها مأساة من لا يعرف كيف يموت، لأنه ما عرف كيف يعيش.
المتابع للتغيرات المجتمعية يعرف أن سياسة المآتم، رغم انتصاراتها السابقة، تبدو على مشارف الختام. لكن المريب أن النهاية قد تكون مفتوحة درجة خلع
 الأبواب.  
صوتٌ أسمعهُ: أتلال الفحم ستُمسح من خارطة رمادنا ولكن، يا للخسارة، إنْ كان ذلك يستلزم إهدار مزيد من
 الماس. 
الألعاب السياسية من الخطورة؛ أنها قد تخلو من اللاعبين قريبا، وماذا سيفعل الحكم وقتئذٍ بصفارته، إذا قرر الجمهور إكمال
 اللعبة. نعم، سيأتي أن ينفد ماء عيون الناس، ولا مهرب من البكاء من دون دموع، لكنه بكاء قاسٍ، غير معنيٍّ بالمآقي، ولن يرحم
 أبدا.