قناع قابيل غياب القاتل وانتصار الشهادة

ثقافة 2022/04/11
...

 ريسان الخزعلي
 
"قناع قابيل".. مجموعة الشاعر يوسف المحمداوي، تستوقف القراءة في أكثر من تماس، أولها: لماذا قابيل ولماذا القناع؟.. قابيل في دلالته الدينية المعروفة قاتِل 
أخيه في بداية التكوين، وهو أوّل قاتل في التاريخ. وإذا كان بهذا الوضوح، فلماذا القناع؟ 
إنَّ قصائد المجموعة لا تتحدث عن وقائع قتل مباشرة عدا الإيحاء الدال في قصيدة (ساحة التحرير) ولو كانت هذه القصيدة تحمل عنوان (قناع قابيل) لتعطّل الاستفهام عن قابيل وقناعِهِ. 
كما أن القاتل في قصيدة (ما كل حكايات الأنهر تفهمها الضفاف) وهي قصيدة عن الشهيد (علي يوسف المحمداوي)، لايحتاج إلى قناع، فالقاتل أوضح من أن يُشار إليه. إذن أين تكمن دلالة التسمية: قناع قابيل؟
 - قلبُ الشاعر، هو الذي كان قناعاً لقابيل، إذ إن هذا القلب في لحظة مداهمة أراد أن يقطف صاحبه على مرأى من صحوه، لكن الشاعرانتصرَ لحياته وتوارى خيال قابيل وقناعه، وعادت صداقة القلب إلى مستقرّها الأنقى: (أنا لصُّ أمتعتي وأتّهمُ الجميع!/ أدلّتي صمتي فقط!!).
يوسف المحمداوي، يكتب النصوص بوعي وفكرة الشعر، نصوص بعيدة عن التجريد والإيهام، نصوص واقع وتعارضات حياتيّة. إنّه منصت لذاته والآخر بتوازٍ وألفة. والآخر المقصود، يستعير يوسف منه رمزيته ودلالته في الفعل الحياتي والتاريخي والشعري (آدم، السياب، الحمزة، الكوفة، هند، ميشا، مسعود العمارتلي، رياض أحمد، يونس، آشور، يوسف، الرشيد، النبي، الجنوب، القدّيس..). من هنا تتوافر قصائده على الحسيّة المحليّة وما هو أبعد من المحليّة. إنّه موجد مناخات سردية/ شعرية لا تُثير الملل، يواشجها بالشعر الشعبي، وصدى الغناء، والمكان، والرمز، والبناء الصوّري، واللغة المطاوعة لطبيعة موضوعاته: (يا أيّها القدّيس في "ميشا"../ ركونك لم تقيّده تضاريس الخرافات القديمة والشحوب/ ها أنت تطلقها رصاصات على وجع الجنوب). 
الشاعر، في التجنيس والنمط الكتابي، يكتب النص/ القصيدة بالشكل النثري، ولم أعرف عنه اهتماماً بالعروض، أو أنّه كان يخفي مثل هذه 
الاهتمام. 
فقصيدة (قناع قابيل) جاءت على البحر الكامل، وقصيدة (أنا باطل والموت حق) على المتقارب. ومثل هذا الملمح لم يشر له كاتب المقدمة الشاعر حمد الدوخي رغم أنّهُ أعاد ترتيب كتابة بعض الأشطر في مقدمته بطريقة مغايرة لكتابة الشاعر: (في كل شيء حاولي أن تتقيني/ لا شكَّ أنَّ الشكَّ بعض من يقيني/ مسمار بابي من هشاشة خشْبة الباب البريئة قد سقط ../ إليك أُغنّي وبعض الأغاني تعب/ وحلمُ يراعي أن تشتهي ما كتَب/ إليك أَغنّي بأشجى العويل وأنقى الطرب../ إليك أُغنّي وبعض الأغاني سبب).
إنَّ هذا الملمح الإيقاعي يمنح الشاعر أفقاً موسيقيّاً جديداً يُشكّل تنويعاته الشعرية بما هو أكثر انفتاحاً بإتجاه الأفق الأوسع في الكتابة الشعرية.