عبد الهادي مهودر
كل يوم هو مناسبة لحدث عراقي كبير أو ذكرى لحدث تاريخي عظيم وأيامنا مزدحمة بحيث تجتمع في اليوم الواحد عدة مناسبات وذكريات، لكن المراقب للدراما العراقية في شهر رمضان وغيره ربما يعتقد العكس تماماً ويظن أن هذا الشعب لم يسمع صوت إطلاقة مدفع ولا يفرق بين خدود التفاح والقنابل وبين الدبابة والتكتك، وأن هذا الوطن لم يمر بصراعات سياسية دامية وتصفيات جسدية رهيبة وحفلات اعدام ومواسم وحواسم وتخريب وتهجير وحروب لم يشهدها أي بلد آخر، وكأن أحداث الثمانينيات والتسعينيات والألفين وثلاثة وما بعدها ليست عراقية، البلد الذي رأي شعبه كل شيء وجرّب الملكية والجمهورية والدكتاتورية والديمقراطية والفوضوية، والحزب الواحد والأحزاب مجتمعة، وتذوّق مرارات وحلاوات الدنيا وركب أخطر المراكب وأحدث السيارات، أتذكّر كيف أن المذيعة المصرية المعروفة هالة سرحان سمعت من سياسي عراقي اسم (قصر النهاية) فصاحت بدهشة يا للهول إنه يصلح عنواناً لفيلم، وهو فعلاً يصلح عنواناً لفيلم مصري عن قصة عراقية، وربما كان علينا إعارة أحداثنا إلى أشقائنا المصريين ليستخرجوا منها عشرات المسلسلات والأفلام كنوع من الاستثمار في كنز للدراما العراقية وخزين القصص الجاهزة التي لا نهاية لها وتكفيها لعشرات السنين، وللتذكير ففي هذا البلد العجيب كانت قصص الموت وقوافل الشهداء والأبطال جزءاً من حياتنا اليومية وما زالت، وفي يوم ما أمطرت سماؤنا مطراً أسود (وساء مطر المنذرين) وهو البلد المنتج للأمراض السرطانية ومنه على سبيل المثال لا الحصر محافظة البصرة التي تسجّل ألفي إصابة بالسرطان سنوياً، ومنه أيضاً سجون الأمن العامة ونقرة السلمان وأبي غريب بنسختيه القديمة والجديدة، وفي هذا البلد ماتت الناس من الجوع وشحة الدواء، بلد الضحك والبكاء وبلد (البواري) لمن أراد كوميديا وبلد المقابر لمن أراد تراجيديا، وبلد الأحكام والقرارات القرقوشية وبلد السلاح لمن أراد أفلام إثارة، وبلد النكات والطرائف والأغاني والمواويل التي لم تسلم من القسوة وأقبية السجون والمشانق، وبلاد الهجرة والمهجرين والنازحات والنازحين والشهداء والأسرى والأسيرات والمعنفات والمطلقات، ومصنع صناديق الموتى وصناديق الطماطم والبرتقال والمشمش وصناديق الاقتراع، بلاد الرفض المستمر للظلم المستمر، والغنى الفاحش والفقر المدقع والقصور والعشوائيات، والصيدليات التي تبيع الدواء المسروق من المستشفيات، وهو أيضاً بلد الأديان والشجعان والنهرين والحب والشعراء والصور والشلالات والأهوار والنواعير والنفط والغاز والفوسفات (والهوسات والكلاوات)، عذراً فقط أردت استعراض رؤوس العناوين والتذكير بمفردات هذا الكنز العظيم الذي يحتاج إلى استثمار في مجال الفن ودراما ليالي رمضان التي لا تنتمي لهذا الواقع وتتحدث عن شعب آخر ليس له عنوان.