لماذا الاهتمام بالفكر؟

آراء 2022/04/13
...

 أ.د عامر حسن فياض
نقول لمن تعوزه القناعة بأهمية الفكر والتفكير، إن عدم القناعة هذا متأتٍ من الاعتقاد المزعوم أن الفكر أو الاهتمام به ترف عقلي لا يغني من فقر ولا يسمن من جوع. 
ومن هذا المنطلق، وقفت عقول كبيرة في التاريخ الإنساني ضد الفكر، مثل (فرانسيس بيكون) الذي شبه الفكر بعذراء مكرَّسة لإله، لأنَّ الفكر، عنده، عقيم بقدر ما أنَّ العذراء عقيمة مع الإله، و (جورج بيركلي) الذي اتهم أصحاب الفكر والمهتمين به بالغموض، لأنّهم مثل من يثير الغبار ثم يشتكي من عدم الرؤية، و (جاك برك) الذي رأى أن الفكر مثل المستنقع الذي غرقت فيه الجيوش بين داليسا ومونت كاسيوس. لكن هذا الاعتقاد تعوزه الرجاحة، مهما قيل في تأييده ومحاولة إثباته، لأن من المتعذر التعرّف على ماضي وحاضر المجتمع ومؤسساته وظروف الحياة السياسية فيه، إلّا بفضل المفكرين، فإذا وجد المرء نفسه محروماً من كل توثيق وتفسير لما يراه أمام عينه، فسيجد صعوبة في فهم ما يعرض عليه مستقبلا. 
وبهذا المعنى فإنّ الفكر يزوّدنا بمعلومات قيمة عن الوقائع الوضعية بكل ملابساتها واتجاهاتها وخصائصها، وهو شرط للصيرورة المجتمعية بكل مفاصلها لأنَّ الفكر "قوة ثوريَّة لا تقدر" فكل تجربة بلا فكر هي عمل ليس له جذور في التاريخ بل هي عمل غوغائي. 
وهناك شواهد كثيرة على دور الفكر في خلق الصيرورة السياسية والاجتماعية في الحياة الإنسانية، فقد تلازم التطور الفكري والثقافي الفرنسي، تلازم ضرورة مع الأحداث السياسية والاجتماعية هنالك، وبالذات مع الثورة الفرنسية، حيث كانت الأفكار في فرنسا تسبق وتحرك التقدم في النظام الاجتماعي، وشكلت أفكار مدرسة القانون الطبيعي القاعدة التي انطلقت منها ثلاث ثورات كبرى في التاريخ الإنساني هي الثورة الانجليزية عام 1688، والثورة الأميركية عام 1774، والثورة الفرنسية عام 1789.
ويذهب مارسيل بيرلو في اهتمامه بالبعد الفكري للسياسة الى حد القول إنّ "السياسة هي أولا أفكار" وهو يرى أن للفكر صنفين:
الصنف الأول: الفكر التنبّؤي الذي يستهدف إصلاح أو تغيير وضع قائم.
الصنف الثاني: الفكر التبريري الذي يستهدف تبرير/ تسويغ وضع قائم والمحافظة عليه.
وفي الحالتين فإنَّ الفكر يمثل قوة إيجابية في المجتمع، وربما قوة أخلاقية أيضا، بقدر ما يسهم في الكشف عن واقع المجتمعات عبر التاريخ ويعمل على تحريك الناس باتجاه رفض هذا الواقع وتغييره، أو تبريره والمحافظة عليه.