اتهامات متبادلة بين الفلاح والتاجر بشأن رفع الأسعار

ريبورتاج 2022/04/13
...

 محمد عجيل 
 تصوير: نهاد العزاوي
أعلنت وزارة الزراعة عن موافقة مجلس الوزراء على فتح أبواب الاستيراد لمحاصيل زراعية محددة وذلك لمدة ثلاثة أشهر، وجاء هذا القرار بعد أن شهدت أسواق المحاصيل الزراعية ارتفاعاً غير مسبوق في شهر رمضان الفضيل، إذ تضاعف سعر بعض أنواعها مثل الطماطم والخيار والبطاطا، وعد المواطنون هذا الارتفاع ناجماً من عدة أسباب، أبرزها استغلال الفلاح لأيام الشهر المبارك، وطرح محاصيله بأسعار أعلى بكثير مما كانت عليه قبل شهر الطاعة والغفران، والسبب الآخر غياب الأجهزة الرقابية الحكومية المتمثلة بمديرية مكافحة الجريمة الاقتصادية، ما دفع بائعي الجملة والمفرد إلى استغلال المواطن أبشع استغلال.
 
يقول المواطن حسن عبد فلحي: إن أسعار المحاصيل الزراعية اختلفت تماماً عن سابق عهدها، إذ ازدادت بشكل كبير أثر مباشرة في طبقة الفقراء، خاصة أولئك الذين يعيشون على معونات الرعاية الاجتماعية، إذ إن محصول الطماطم وهو مادة ضرورية في حياة الفقير ارتفع سعره من ألفي دينار لكل ثلاثة كيلوغرامات إلى ألف دينار ونصف للكيلوغرام الواحد، وفي رؤية حسابية نجد أن السعر ارتفع مضاعفة في الوقت الذي لم تشهد السوق حادثاً يؤدي إلى هذا الارتفاع بقدر توجه المستهلك إلى شرائها بشكل أكثر من ذي قبل، وكذلك الحال بالنسبة للبطاطا أو ما نسميها لحمة الفقراء فكان سعر الكيلوغرام سبعمئة وخمسين ديناراً وأصبح الآن ألف دينار، كما ارتفعت أسعار اللحوم والأسماك والدجاج وبيض المائدة ومنتوجات الألبان.
 
أسعار موحدة
وتعتقد الحاجة أم ميثم والتي تعيش على مقدار تقاعدها البالغ خمسمئة ألف دينار أن ارتفاع الأسعار له علاقة بضعف إيمان الباعة وجشعهم واستغلالهم لمتطلبات الفقراء في هذا الشهر الفضيل، وتقف خلفهم أجهزة رقابية متقاعسة لا تؤدي دورها بالشكل المطلوب، لقد أمضيت غالبية عمري وأنا أرى الأسعار موحدة ومعروفة في مختلف بلدان العالم وخاصة المجاورة، إلا في العراق فالطريق مفتوح للبيع كيفما تشاء، وهذا غير ممكن إنسانياً واقتصادياً، ولا بد للحكومة أن تتدخل من أجل حماية المواطن من هذا الجشع الواضح والبارز للعيان، إذ لا يمكن أن نجلس صباحاً ونجد الأسعار مرتفعة مضاعفة والسبب كما يشيعون مرتبط بشهر رمضان.
 
باعة المفرد يوضحون
من جهتهم أوضح باعة المفرد المنتشرون على الأرصفة والشوارع وهذه طامة أخرى لا بد من معالجتها، أن أسباب ارتفاع الأسعار غير متعلقة بهم بقدر تعلقها بباعة الجملة الذين رفعوا الأسعار بين ليلة وضحاها، وقال رضا عباس حسين «لا يمكن أن نبيع بضاعتنا بخسارة او نعرضها مجاناً لأجل عيون المستهلك، إذ لدينا أسر وأولاد ومصروفات، وإذا كان لا بد من محاربة الأسعار فعلى الحكومة أن تراقب الباعة في سوق الجملة فهم الوحيدون الذين يتحكمون بالأسعار، أما نحن فأسعارنا مقاربة جداً للأسعار التي نشتري فيها، إذ نبيع الطماطم بسعر ألف ونصف ونحن نشتريها من تاجر الجملة بسعر ألف وربع، إذن أين الجشع الذي يتحدث عنه المستهلكون.
ويقول بائع مفرد آخر إن ارتفاع الأسعار مرتبط باتفاقيات مسبقة بين الفلاح والتاجر لغرض حصر المحصول ومن ثم عرضه بسعر يرضيهما، بالأمس كان الفلاح يبحث عن فرصة لبيع محصول البطاطا، واليوم يخزنها في برادات خاصة ولا يعرضها للبيع وذلك من أجل رفع أسعارها وهنا يأتي دور وواجب رجال مكافحة الجريمة الاقتصادية، وأتساءل من خلالكم أين هم مما يجري في سوق الجملة او ما يسمى بعلاوي الخضار والمحاصيل الزراعية؟، وأين هم من الموظف الذي يسابقنا على أرزاقنا ويقف معنا في السوق رغم حصوله على مرتب يكفيه ويكفي أسرته؟، وأين هم من عمال النظافة الذين لا يعملون إلا بعد أن نجمع لهم مبلغاً من المال؟، أعتقد أن هذه الأسئلة مهمة في طرحها قبل محاسبة بائع المفرد عن ظاهرة ارتفاع الأسعار.
 
استغلال الأرض
ويتحدث مواطنون عن أسباب ارتفاع أسعار المحاصيل والمنتجات الزراعية ويذهبون بها إلى أبعد من كونها ظاهرة ارتبطت بشهر رمضان او غلق الاستيراد، إذ يقول المهندس الزراعي علي عواد الجبوري «إن غياب ستراتيجيات وخطط الحكومة بما يتعلق بالواقع الزراعي طغى بشكل كبير على حياة الناس وحاجاتهم، رغم أن العراق يمتلك جميع المؤهلات التي تنهض بواقعه الزراعي من أراضٍ شاسعة غير مستغلة تمتد بموازاة نهري دجلة والفرات، في حين تطفو مساحات زراعية شاسعة أخرى على مياه جوفية مثل صحراء الأنبار امتداداً لمحافظتي كربلاء والنجف ومن ثم السماوة، ويضيف الجبوري: أن الحكومة إذا ما استغلت هذه الأراضي بشكل صحيح فإنها تحقق العديد من الأهداف، منها ما يتعلق بتوفير جميع المحاصيل الزراعية من خضار وفواكه وقمح وشعير، ولا تحتاج بالمرة إلى أن تستورد من خارج البلاد، أما الهدف الآخر فهو تشغيل العاطلين من عمال ومهندسين زراعيين وفنيين سواء في الحقول الزراعية او في محطات بيع المحاصيل، بينما يقترح الخبير الزراعي عليوي طينة على الحكومة عرض هذه المساحات للاستثمار المحلي المشروط في حال عدم قدرة وزارة الزراعة على استغلالها من خلال إيجارها لخريجي الكليات الزراعية والكليات ذات الطابع الصناعي، على أن تستغل الأرض زراعياً وصناعياً، وأن تقوم الحكومة بتقديم التسهيلات المالية وفقاً لمشروع المبادرة الزراعية الذي لم يأخذ دوره بشكل أساسي نتيجة غياب الرقابة الحكومية.
 
الفلاح يدافع عن نفسه
لعل أبرز المتهمين في اشتعال أسعار المحاصيل الزراعية هو الفلاح، وكان لا بد من إعطائه فرصة للدفاع عن نفسه على لسان رئيس اتحاد الجمعيات في بابل كاطع موسى العبيدي الذي قال: «إن الفلاح بريء من التسبب في ظاهرة ارتفاع الأسعار لكونه الخاسر الوحيد في العملية الزراعية بسبب غياب الدعم الحكومي لجميع مستلزمات الزراعة من أدوات حراثة وسقي وبذور ومبيدات حشرية، إضافة إلى غياب الجانب التسويقي، إذ يبقى الفلاح على مدار عام كامل كي يستلم مستحقاته، وربما لا يصل منها إلا القليل وأعتقد أن جميع هذه المعوقات دفعت الفلاح إلى هجرة الأرض والبحث عن مصادر رزق أخرى، ما تسبب في تقليل المعروض ومن ثم ارتفعت الأسعار في ظل زيادة الطلب، بينما يرى عضو اتحاد الجمعيات الفلاحية رزاق صلال دحام أن ارتفاع الأسعار له علاقة بشهر رمضان، إذ ازداد الطلب ما دفع تجار سوق الفواكه والخضر إلى استثمار حاجة الناس والتلاعب بالأسعار بالاتفاق مع باعة المفرد، في حين بقي الفلاح على التل يراقب دون أن يستفيد، لا بل أصبح موضع اتهامات.                
 
فساد في المنافذ الحدوديَّة
ويتطرق تاجر الجملة رحيم كاظم عبيس إلى موضوع غاية في الخطورة والأهمية، أسهم بشكل كبير في ارتفاع الأسعار ننقله على لسانه نصاً، ونترك الحق للجهات المتهمة بالدفاع عن نفسها، يقول التاجر المذكور «إن الأجهزة الحكومية العاملة في المنافذ الحكومية تعاني من الفساد وغياب المراقبة، وتعمل بشكل واضح للعيان ومن دون خوف على ابتزاز التجار الذين يستوردون المحاصيل الزراعية من دول الجوار مثل تركيا وايران وسوريا ومصر، إذ لا يمكن أن تمر أي مركبة مهما كان حجمها إلا بعد أن تدفع «المقسوم» لتلك الأجهزة التي تمسك بالمنافذ حتى وصل سعر المركبة الكبيرة او ما نسميها (تريلة) إلى ثلاثين ورقة فئة مئة دولار، تؤخذ عنوة وغصباً على التاجر، إذ يوجد هناك مخلصون من خارج الأجهزة الحكومية واجبهم التعامل مع التجار وتحديد سعر مرور البضاعة، وأكد أن هذه الأموال التي تدفع في المنافذ الحكومية تضاف إلى سعر المحصول المستورد ومن ثم تقع مسؤولية دفعها على جيب المستهلك الفقير، ومن هنا أقول أن المفروض مراقبة عمل المنافذ الحدودية التي أنهكت التاجر وجعلته يتوسل من أجل إدخال بضاعته قبل متابعة الأسعار عند بائع
المفرد».
ويطرح التاجر عباس حسون الوجه الآخر من الفساد قائلاً: إن الحكومة سمحت لإقليم كردستان بالاستيراد من دول الجوار، في حين أغلقت الحدود على التاجر في المناطق العراقية الأخرى، ما دفع حكومة الاقليم إلى تحميل المحاصيل المستوردة والمتجهة إلى مناطق الوسط والجنوب أموالاً جمركية، وبدلا من أن يدفع التاجر أموالاً جمركية لجهة واحدة أصبح يدفع لجهتين الأولى جمارك الاقليم، والأخرى ابتزاز المنافذ الحدودية المحاذية للإقليم، ما ساعد في رفع الأسعار بشكل جنوني.
وتساءل عباس حسون «ما المانع في أن تسمح الحكومة العراقية بأن يستورد التاجر المحاصيل الزراعية بالمباشر من دول الجوار، خاصة أنه يمر بممرات ومنافذ عراقية وما المانع أمام الحكومة في فتح منافذ أخرى تساعد الفلاح في إدخال بضاعته خاصة تلك التي تدر أموالاً جمركية على الخزينة العامة للدولة.
 
غياب التوازن التجاري
يقول رجال أعمال ومستوردون، إن الحكومة العراقية لا تمتلك رؤية بما يخص الاستيراد والتصدير كما هو معمول به في كل دول العالم التي تبحث عن توازن تجاري يحفظ لها حقها في الاستيراد والتصدير في جميع أيام السنة، وقال رئيس غرفة تجارة بابل المهندس صادق الفيحان «لا يمكن أن نعالج الهفوات من خلال فتح باب الاستيراد لمدة ثلاثة أشهر من أجل السيطرة على السوق، وعلينا أن نعمل على وضع نظام واحد وشامل طيلة أيام السنة يحفظ لنا تصدير بعض منتوجاتنا الزراعية الفائضة عن الحاجة، واستيراد منتوج يحتاجه المواطن، أي أن الأمر يتعلق بالتبادل السلعي، مثلاً لدينا فائض في منتوج التمور او محصول القمح يمكن أن نبرم اتفاقيات مع أي دولة يمكن من خلالها أن نصدر هذين المنتوجين ونستورد محاصيل أخرى، إذ لا يمكن أن تبقى منتجاتنا مخزونة دون تصدير في الوقت الذي نستورد عشرات السلع الغذائية والزراعية، وأكد الفيحان أن الحكومة المركزية مطالبة بالاستماع إلى صوت المنطق والخبرة الذي تمثله الغرف التجارية العراقية من أجل وضع منهاج عمل مشترك يحفظ قيمة المحصول العراقي ويحفظ العملة الصعبة للبلاد.
وأخيراً نقول إن الحلول الترقيعية التي تنتهجها الحكومة لا تجدي نفعاً ما لم تجد مخرجاً للأزمات التي تمر بها سوق الخضار والمحاصيل الزراعية.