قراءة في فكر السيد محمد باقر الصدر

آراء 2022/04/13
...

  علي المرهج
هو ابن مدينة النجف والحوزة العلمية التي أنجبت كبار مفكري وفقهاء وشعراء الشيعة. كان منذ صباه ملفتا للنظر، ويحلم ببناء مجتمع إسلامي تسوده العدالة الاجتماعية، كان الأقرب للسيد محسن الحكيم مرجع الشيعة الأعلى في أواسط القرن العشرين، رغم أنه درس على أيادي كثير من المراجع الآخرين، لكنه بقي قريبًا من السيد محسن الحكيم.
 
تميز بفطنة وموهبة عالية على تلقي علوم الفقه والشريعة والفلسفة التي كان شغوفًا بها، بل تميز على أغلب مراجع الشيعة باهتمامه بعلوم الفلسفة ومحاولة توظيفها لخدمة الملّة.
تأثر بآراء جماعة الإخوان المسلمين، وكان يقرأ أدبيات حسن البنا وسيد قطب، الأمر الذي جعله ينتج رؤاه وكأنه يستعيد استحضار أطروحات سيد قطب في كتابه (معالم على الطريق).
لقد ميّز سيد قطب بين المجتمع الجاهلي والمجتمع الإسلامي، وعلى ذات النهج سار الصدر في تمييزه بين المجتمع الإسلامي الذي يحفظ التوازن الاجتماعي، ويُحارب الاستغلال، وهو ذاته عند سيد قطب من قبل، فهو المجتمع الذي يسعى  لبناء العدالة الاجتماعية، أما المجتمع الفرعوني بتعبير باقر الصدر، فهو "المجتمع الذي تسهل السيطرة عليه والتسلط على ثرواته الطبيعية".
المجتمع الفرعوني عند باقر الصدرهو المجتمع الذي يسهل استغلاله، وهو مجتمع جاهل أو يعيش التجهيل، لا كرامة له، منهوبة حقوقه، لا يشعر بقيمة الإسلام الذي جاء لتوحيد الإلوهية والربوبية معًا، وتخليص المجتمع من الطغاة الذين يُصيّرون سلطتهم ربوبية.
"إن كل مجتمع لأية أمة من الأمم الغابرة والحاضرة لم يتبين الفكر والتشريع الرباني في بنائه فهو "مجتمع فرعوني".
جاء الإسلام ليستكمل مسيرة الإنسانية، ويفض النزاع بين دعاة النزعة الفردية ودعاة النزعة الجماعية "ليكون وسطًا"، وهو بهذا المعنى لم يُلغِ دور الفرد ونموه وارتقائه، ولكن عندنا تتعارض مصالح الفرد مع الجماعة، لا بد من ترجيح كفة الجماعة، فلا بد من اتباع "الجزء للكل" واتباع الفرد للمجتمع.
كان من أوائل المؤسسين لحزب الدعوة الإسلامية مع السيد مهدي الحكيم ابن المرجع محسن الحكيم، وبعد أن أمره السيد محسن الحكيم بترك الانتماء لأي حزب استجاب لدعواه، ولكنه بقيّ يتابع نشاطات هذا الحزب.
كلفه السيد محسن الحكيم في تأليف كتاب للرد على الشيوعية، ومقارعتهم الفكرة بالفكرة، وهذا يبدو مخالفًا لتبني السيد الحكيم فتوى تكفير "الحزب الشيوعي"، ولا نعرف ظروف التكفير آنذاك، التي ترتبط بالدفاع عن القيم الدينية التقليدية.
انبرى السيد باقر الصدر لتأليف كتاب "فلسفتنا"، وهو في رأيي كتاب ينظر بأمل وألم وصناعة حلم "الإسلام الذي ينبغي" أو "الإسلام اللاتاريخي"، الذي أنتجه وفق درايته الكبيرة بعلوم القرآن، وقراءته للفكرين الاشتراكي والرأسمالي، وحاول أن يخلق "مسطرته" الخاصة في الحكم على ما هو إسلامي، وما هو غير إسلامي.
بايجاز، حاول باقر الصدر أن يختار أفضل ما في المنظومتين الاشتراكية والرأسمالية، ومقايستهما مع القرآن الكريم وسيرة النبي الأكرم، والبحث عن مقبولية "الوسطية" في استعارة الأفضل في المنظومتين بما لا يتعارض مع الإسلام القرآني، الذي هو إسلام لم يعشه المسلمون، على الأقل المتأخرون.
الإسلام الفقهي غير الإسلام القرآني، والإسلام التاريخي غير الإسلام النصي الديني، وباقر الصدر في كتبه يبحث في الإسلام النصي الديني وفق رؤيته لمفهوم "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم".
كل منظومة منتقدة يتغلل بعض أو كثير من عناصرها للمنظومة الناقدة بوعي أو من دون وعي، لذلك أجد أن تغلغل منظومة جماعة الاخوان المسلمين لفكر باقر الصدر بوعي، فهو يحلم ببناء مجتمع إسلامي لا جاهلية فيه، وإن يكن مفهوم "الحاكمية" عند الاخوان المسلمين، قد يختلف عن مرامي باقر الصدر في "الحكومة الإسلامية" التي يحكمها توجهه العقائدي الإمامي.
على الرغم من تأكيده لدور الأمة في اختيار الحاكم وتأشيره لأهمية الشورى في اختيار أهل الحل والعقد، الذي سار فيه على نهج المرجع "محمد حسين النائيني" في كتابه "تنبيه الأمة وتنزيه المّلة" ، وإيمانه بنظرية "الاستخلاف"، وأن "الإنسان خليفة الله على هذه الأرض"، لكنه لا يخرج عن تضمين الرؤية هذه لتكون موافقة أو ملتزمة بـ "الحكم الإلهي"، وأن لا تخرج عن قوله تعالى "لا حكم إلا لله"، لأن الأمة في المجتمع الإسلامي لا تنوب عن الله ولا عن أنبائه ولا أئمته المعصومين، ومن ينوب عنهم وصولًا للمرجعية الدينية، ومهمة المرجع الديني الحفاظ على شريعة الله وأحكام الرسالة الإسلامية، وهو الرقيب على الأمة، وفي حال تعدد المرجعيات المتكافئة، ينبغي الرجوع للأمة في أمر اختيار المرجع (القائد) عبر استفتاء شعبي، ولا أظن أن هذا الأمر ممكن التحقق، لأن الأمة والمجتمع لا يمتلكان الدراية والقدرة على اختيار الأكفأ في حال تعدد المراجع، وقد يكون اختيار أحدهم مرهونا باجتماع المجتهدين أو من تصح تسميتهم "أهل الحل والعقد" الذين يفقهون الشرع والمصلحة العامة ومصلحة الدين على حد سواء هو الأفضل، فهو صاحب كتاب "الإسلام يقود الحياة"، وليس كل الأمة تفقه معاني الشريعة، فقد تختار الأمة "مجلس الشعب" أو "البرلمان" ورئيس الجمهورية، ولكنها من الصعب أن تختار "المرجع الأعلى" "القائد"، لأنه مطلق التصرف في الحكم إذا توافرت فيه الشروط الشرعية، وله الولاية الشرعية العامة والخاصة، ولا يجوز نقض حكمه حتى مع العلم بمخالفته.