العاطفة الشعبيَّة

آراء 2022/04/13
...

   ميادة سفر
    
تشكّل العاطفة مَعْلَماً اجتماعياً عربيّاً، وهي أسلوب حياة في الكثير من البلدان، وتتجسّد في الكرم والعطف على الصغار والكبار والفقراء والنساء اللواتي ليس لديهن معيل، ويمكن القول إنَّ عاطفة المواطن في بلادنا تنوب عن دور الدولة في الرعاية والإنفاق.
وربما من حسن حظنا أنْ يعيش الناس في الدول العربية وهم أكثر تراحماً في ما بينهم مما يعتقده النظام السياسي، بل إنَّ الناس في الحروب الأهليَّة نجدهم يميلون للتعايش وحماية بعضهم على الرغم من وجود المتاريس في الشوارع.
تخفف تلك العواطف التي تظهر في الأزمات من معاناة كثيرٍ من الأفراد الذين لا يجدون مأوى أو لقمة عيش أو قدرة على العلاج من الأمراض، وهي تسهم في تعزيز الروابط الاجتماعية بين البشر، فعلى الرغم من المعاناة الكبيرة التي وقعت على شعوب بلادنا في سوريا والعراق ولبنان واليمن على سبيل المثال كان لوقوف الناس إلى جانب بعضهم البعض دور كبير في تحجيم الأوجاع والآلام ولو قليلاً.
والأمر لا يقتصر على فترات الحروب بل تعدى ذلك إلى أوضاع ما بعد الحرب وأثناء انتشار فيروس كورونا وما سببه الإغلاق العام من تفاقم الضغط الاقتصادي على الأفراد الذين لا يملكون مورداً دائما للرزق، فظهرت الجمعيات التي تقدم خدماتها مجاناً للمحتاجين متكلة على تبرعات من أشخاص أكثر أمناً من الناحية الماديَّة، فضلاً عن ظهور تجمعات شبابيَّة في فترات انتشار فيروس كورونا غايتها تقديم المساعدة الطبية للمصابين وتأمين أسطوانات الأوكسجين لمن لا يستطيع دفع ثمنها وغيرها من خدمات كانت من خلالها مساهماً فعالاً في الحد وتخفيف أعداد الإصابات ومن جانب آخر مساندة الدولة في التصدي للجائحة.
تلك العاطفة الشعبيَّة التي ما زالت أكثر شعوب البلاد العربيَّة محافظة عليها، ولطالما عززت التراحم والتعاون في ما بينهم، تعد مظهراً من مظاهر مناعة المجتمعات بمكوناتها كافة، إذ يمكن أن تقيه من الجريمة التي تزداد معدلاتها بشكل كبير لا سيما في البلاد الخارجة من حرب أو أزمة اقتصادية أو كارثة طبيعية، فضلاً عن حماية المجتمع من أمراض اجتماعية عديدة مثل الكراهية والحسد التي تشعر بها الطبقات الفقيرة تجاه تلك الغنيَّة، كما بإمكان تلك العاطفة مع ما تقدمه من مساعدات ودعم أن تخفف الفروقات الطبقيَّة الاجتماعية، فإذا كان من أولى نتائج التردي الاقتصادي انقسام المجتمع إلى طبقة فاحشة الثراء وأخرى تحت خط الفقر، يأتي الدعم الشعبي والتكافل الأهلي ليقف في وجه هذا الانقسام ويحاول التخفيف من حدة الفوارق الاجتماعية بين أفراد المجتمع.
لا أحاول هنا تجميل الواقع أو الإيحاء بأننا شعوب ملائكيَّة الطبع والطبيعة، لكنّها محاولة لإلقاء الضوء على جانب مشرق وموجود ولا يمكننا إنكاره بل ومن الواجب تعزيزه والعمل على إبقائه وانتشاره، طالما أننا نعيش في حيِّز جغرافي واحد يتحتم علينا أن نرى ما يجري حولنا ونعمل على التخفيف من أية أوجاع ومعاناة، لأنَّ كلمة واحدة قد تغيّر مسار إنسان وتفتح أمامه آمالاً كبيرة، فما بالنا بدعم مادي ومعنوي؟!!.