العملية السياسية

الصفحة الاخيرة 2022/04/13
...

حسن العاني 
لا تشيرُ ذاكرتي من قريب أو بعيد إلى أن هناك إنساناً على وجه الكرة الأرضية يكره السياسة إلى حد البغض، ويخشى الاقتراب من عوالمها إلى حد الخوف مثلي، لأن تجربتي أو بالأحرى تجاربي معها كانت مريرة على الدوام، بدءاً من مراهقتي المبكرة إلى كهولتي الآيلة للسقوط!. 
في عام 1958 وأنا طالب في ثانوية الكاظمية – الصف الثاني – وعمري لا يزيد على 13 سنة، وجدت نفسي ذات يوم دراسي من ذلك العام، وسط حلقة من طلاب المرحلة الإعدادية، وخاصة طلاب الخامس الثانوي، وهم ينهالون عليَّ ضرباً عنيفاً خالياً من أية رحمة، بأرجلهم واكفهم وقبضات أيديهم، ويتفننون في (شتمي) بشتائم مبتكرة، فما كان مني إلا أن احتميت بأستاذي مدرس العلوم على ما أظن، وكان هذا الأستاذ – وهو أمر غريب – هو الذي يقود (عصابة الطلاب) التي تتولى ضرب وشتم عدد من الطلاب، أنا واحد منهم من غير أن أعرف السبب..
أشهد أن ذلك المدرس كان يحبني جداً، فأنا طالب (شاطر) ومؤدب، ولا أحسن ما يحسنه بعض الطلاب من شغب ومشاكسة، غير إنني فوجئت به يصفعني صفعة جعلتني أتدحرج على أرضية الساحة، وسمعته يخاطبني [لَكْ ابن (.....) إنتَ هَمْ بعثي؟!]، والمفردة التي لم أذكرها كانت نابية وموجهة إلى أُمي، أما مفردة (بعثي) فكانت والله غريبة على عمري، ولحظتها بكيتُ، فقد ظننت أنها وصف لا أخلاقي!.
في عام 1959 تولت أسرتي نقلي إلى ثانوية الفلوجة، ولم يمض على التحاقي بالثانوية شهر واحد، حتى تعرضت إلى عصابة طلابية جديدة، إذ جرب بعض الطلاب الكبار عضلاتهم ووحشيتهم فوق جسدي، وخاطبني أحدهم ، قائلاً [ لَكْ ..ابن (.....)، أنت شيوعي من الكاظمية جاي تتجسس علينا]!
الحق معي حين أهرب من السياسة وأمقتها، فمن تجربتي المرة مع الشيوعيين إلى تجربتي التي لا تقل مرارة ً مع البعثيين، وختمتها بتجارب الإسلام السياسي وأحزابه، ولهذا لا أتابع التلفزيون ونشراته الإخبارية وحواراته السياسية و.. ومع ذلك تورطت مرة وحضرت ندوة سياسية حكمتها مصادفة غريبة لا مجال لذكرها، ولم اكتف بالحضور، بل قمت بخطوة أهم عندما قلت للمحاضر [سيدي الكريم.. العملية السياسية في العراق تحتاج إلى إعادة نظر!]، وبدلاً من الرد على ملاحظتي، أمطرني بالأسئلة وفي مقدمتها [ما هو دليلك على ذلك؟] فقلت له [إن النائب الفلاني وصفها بالفاشلة، والمسؤول الفلاني في الدولة وصفها بالكارثة ورئيس الكتلة الفلانية اعتبرها وراء دمار البلد] عندها سألني إن كنت (نائباً أو مسؤولاً أو زعيم كتلة) وحين أجبته بالنفي تولى طردي من القاعة مع شتيمة مبطنة، فلم أغضب لأن الرجل هذه المرة ..على حق!.