الاستمراريَّة في السياسة الخارجية الأميركيَّة من بايدن إلى ترامب

آراء 2022/04/16
...

 د. خالد هاشم 
 
يبدو للوهلة الأولى أن سياسة جو بايدن الخارجية تختلف كثيراً عن سياسة سلفه دونالد ترمب، لجهة إعادة تقديره لحلفاء الولايات المتحدة التقليديين في أوروبا وآسيا عبر رفعه شعار»أميركا عادت»، والتزام إدارته بـ{نظام دولي مرتكز على القواعد والتعددية ويحترم المؤسسات الدولية والعودة إلى العديد من الاتفاقيات التي انسحب منها سلفه، إضافة إلى ترميم صورة أميركا التي تدعم الممارسات الديمقراطي، وليس الأنظمة الاستبدادية عبر العالم.
ورغم تلك الاختلافات الواضحة الدلالات، فإنها تغفل حقيقة أساسية، ألا وهي أن سياسة جو بايدن الخارجية في حقيقتها ما هي إلا استمرار لسياسة دونالد ترامب وعلى عدة نواح وصعد.
•العلاقة مع الصين. وأول عوامل الاستمرارية والتشابه بين سياسة جو بايدن ودونالد ترامب الخارجية، هو عامل الخصومة والصراع مع القوى العظمى العالمية وعلى رأسها الصين. إذ لم تشهد سياسة الولايات المتحدة إزاء التنين الصيني أي تغير يذكر منذ تولي بايدن السلطة إلى الاَن، وحافظت إدارته وإلى حد كبير على سياسة سلفه ترامب، وتحدث الرئيس بايدن بنفسه عن «الخصومة الشديدة» مع الصين، بينما أعلن منسقه الخاص لشؤون المحيطين الهندي والهادئ أن «الفترة التي وصفت على نطاق واسع بأنها فترة مشاركة مع الصين، ولت إلى غير رجعة».   من جانب آخر، استمرت إدارة بايدن في احتواء الوجود الصيني وتقييده في منطقة بحر الصين الجنوبي ورفض سيادت الصين عليه، فكثفت إدارة بايدن جهودها من أجل الدفع قدماً بـ»الحوار الأمني الرباعي»، الرامي إلى تعزيز التعاون بين أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة، وأطلقت مبادرة ستراتيجية تكميلية مع أستراليا والمملكة المتحدة وما يرتبط بها من بناء عشرات الغواصات التي تعمل بالوقود النووي، كما لم تتوقف إدارة بايدن عن استعمال مصطلح «المحيطين الهندي والهادئ» الذي أدخلته إدارة ترمب في الاستخدام الرسمي الأميركي.
•العلاقة مع روسيا. ما ينطبق على علاقة الولايات المتحدة بالصين ينطبق على العلاقة مع روسيا،  وفي الواقع لم تكن سياسة جو بايدن تجاه روسيا في جوانب كثيرة منها، إلا استمرارا أيضا لسياسة سلفة دونالد ترامب، فقد راوحت السياسة الأميركية الروسية مكانها، ولم تتغير سياسة الولايات المتحدة تجاه روسيا إلا قليل من حيث الجوهر، فباستثناء الإعجاب الذي يكنه ترامب للرئيس بوتين (عكس بايدن الذي يراه زعيما دكتاتوريا يقود نظاما متهورا وقاسيا ويعارض بطبيعته القيم والمصالح الأميركية)، إلا أن تلك النظرة الشخصية للقيصر الروسي من قبل ترامب لم تؤثر في موقف إدارته من روسيا، فظلت تلك الإدارة على قدر كبير من الحزم والصرامة. وأبقت على العقوبات الاقتصادية التي أصبحت أكثر صرامة (التي كانت مفروضة على روسيا في عهد أوباما)، كما عملت إدارة ترامب على إغلاق القنصليات الروسية في الولايات المتحدة وتوطيد الدعم العسكري الأميركي لأوكرانيا، وهي إجراءات لا تزال معمولا بها من قبل إدارة بايدن إلى الآن. 
• الانسحاب الأميركي من منطقة الشرق الأوسط. استمر جو بايدن على سياسة دونالد ترامب في ما يتعلق بالنظر إلى الشرق الأوسط الكبير بأنه مكان «للحروب الابدية» التي لا تنتهي (وهي التسمية التي أطلقتها إدارة ترامب على الشرق الأوسط)، وبالتالي على ضرورة الانسحاب منه وتركه لدوله تدير شؤونها بنفسها. وهذه الاستمرارية لمسناها جيدا في ما يتعلق بالملف الافغاني، إذ تعد أفغانستان مثالا بارزا  لاستمرار سياسة جو بايدن على نهج سلفه دونالد ترامب، ففي شباط/ فبراير2020، وقعت إدارة ترمب اتفاقا مع طالبان يحدد 1 آيار مايو2021 موعدا نهائيا لانسحاب القوات الأميركية من البلاد. لكن تلك المفاوضات تعثرت في ما بعد، وفي الحقيقة لم يكن اتفاق ترامب مع طالبان اتفاق سلام بقدر ما كان اتفاقا لتسهيل الانسحاب العسكري الأميركي من هناك وهو ما قام به سلفه بايدن.
وبالتالي ما أعتقد به ترمب آمن به بايدن لجهة اعتبار الحرب في أفغانستان «حرباً أبدية»، وصمم على الخروج منها بأي ثمن كما أراد سلفه ترامب.
•الملف الإيراني. على المستوى النظري قد يبدو الملف الإيراني هو الاستثناء الوحيد البارزعن الاستمرارية في السياسة الخارجية ما بين جو بايدن ودونالد ترامب، وعلى النقيض من سياسة ترامب، أوضحت إدارة بايدن عند تسلمها السلطة عن رغبتها في إعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران. ولكن من الناحية الواقعية يبدو أن سياسة بايدن هي أيضا  مستمرة على نهج ترامب تجاه الملف 
الإيراني.
  رغم أن إدارة بايدن تحدثت عن الدبلوماسية والتعددية والعودة إلى الاتفاقات السابقة ومن ضمنها طبعا الاتفاق النووي مع إيران، ومع ذلك ما زلنا نرى استمرارية من قبل إدارة بايدن على اتباع سياسة إدارة ترامب نفسها، فلا تزال الاستمرارية موجودة في ما يتعلق بالعقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران، ولا يزال يمنع التصرف بالعائدات النفطية الإيرانية في البنوك الاجنبية. وهي الإجراءات المتبعة نفسها من قبل الإدارة السابقة، إدارة ترامب.
    في النهاية، يتضح لنا، أن السياسة الخارجية الأميركية بعد أكثر من عام من حكم جو بايدن لم تتغير كثيرا، قد يكون مجرد تغيير في الأسلوب أكثر من كونه تغيرا في المضمون، وبالتالي هي تمثل بالنسبة لنا في كثير من المجالات والحالات استمرارية لسياسة سلفة دونالد  ترامب.
 
مستشار المركز العراقي للدراسات الستراتيجيّة