مصير الجماعات وحركتها

آراء 2022/04/17
...

 إسماعيل نوري الربيعي
 واقعة التاسع من نيسان، ومحاولة قراءتها من واقع تحليل التاريخ الاجتماعي للممارسة الثقافية. بوصفها لحظة فارقة في تاريخ العراق المعاصر. حيث الشحن العاطفي الكامن فيها، والذي بات يغطي على الفاعلية المعرفية الكامنة فيها. 
حتى غدت تلك الواقعة تعاني من الذبول والشيخوخة، نتيجة لطغيان القراءة الذاتية على حساب المضوعي، الذي راح يعاني من التهميش، في ظل تفاقم الاضطراب والتعقيد والتداخل الذي راح يفرزه الواقع العراقي. بدءا لا بدّ من الإشارة المباشرة إلى أحوال افتقاد وسائل التحليل التاريخي لهذه الواقعة، باعتبار الغياب المفرط و اللافت للمبادرة والحركة أو حتى المشاركة للأفراد والجماعات العراقية في تأصيل ذلك الحدث. الذي تمت صياغته بناء على الموجهات الصادرة عن منظومة الشرعية الدولية، والتي تجسدت في قيام التحالف الدولي باسقاط نظام (صدام) الموغل بالانغلاق والتعمية والنرجسية. ومن هذا الواقع وضع (العراق) في مرجل العجز عن تفسير ماهو ممكن ومأمول. فقد أثمر الاختلاط الذي نتج عن فرضية (الفوضى الخلاقة) توترات و تناقضات، جعلت من الصورة العقلية الجماعية تعيش فجوة زمنية مريعة والمزيد من الارتدادت الاجتماعية والثقافية والسياسية. الأمر الذي انعكس على (الذهنية الجمعية). إذ ما لبث ( المحررون ) يرقعون الثوب الممزق الذي عانى من الحروب والحصار والشتات والتمزيق. ليغيب عن الواقع ملمح المؤسسة والتنظيم والنظام والأنماط والعلاقات، ليتصدر المشهد أحوال (إملأ الفراغات التالية)، عبر استحضار نماذج ما هو ممكن ومتاح ومتوفر، والتي سيقت إلى صدارة المشهد السياسي. حتى كانت العواقب وقد تمثلت في إخراج هزيل وفارغ المحتوى لـنموذج (الدولة القلقة)، الفاقدة للروح والمعنى والحضور. 
ترى ما الذي أفضت إليه الواقعة النيسانية؟ هياكل ديمقراطية؟! تمَّ ارتهانها لأصحاب المصالح، الذين وجهوا مقاليد البلاد والعباد نحو اغتنام الفرصة السانحة، وراحوا يؤسسون لشرعية الفساد والنهب عبر التأسيس لنموذج الدولة الكلبتوقراطية (حكم اللصوص) وبجدارة لا يحسدون عليها، حتى صار التطلع نحو استغلال أحوال اللا أبالية الصادرة عن المنظمومة الدولية التي باركت وأيدت، ودعمت وساندت شرعنة الحضور لبعض المناصب السياسية الخالية الوفاض، والتي تكلف خزانة الدولة العراقية أرقاما فلكية خلال الشهر الواحد، يمكن لهذه المبالغ أن تؤسس للنهوض بخطة خمسية تنموية، تنقل البلاد من القاع إلى القمة. 
 وهكذا الحال مع الطبقة السياسية التي راحت تحلق في تصريحات مباشرة، حول ما تحوز من نهب للثروة بشكل سافر، يتجاوز كل ماهو ممكن ومعقول. وباعترافات لا تخلو من الوقاحة! بجهر صريح وعتيّ بالغ الضراوة. بل أن الواقع العراقي اليوم يحيل وبمباشرة مرعبة إلى أحوال مسرح اللا معقول! ولنا في المزيد من أصحاب المناصب السياسية، وحجم الامتيازات التي يحصلون عليها. بينما تتعإلى أصوات وزير المالية المحذرة من مستقبل إفلاس الدولة القادم لا محالة. بعد أن جُعلت ميزانية الدولة مصدرا لتوزيع المرتبات الخرافية على المنتفعين وأصحاب القضايا المتعلقة بالنظام السابق. حتى ظهرت طبقة من المظلومين والمبعدين والمضطهدين والمفصولين والمنكوبين. لتقع الدولة العراقية المعاصرة في فخ عقاب الذات، بعد أن سقطت في وهدة التعويض عن الظلم، الذي لا يمكن أن يقود أو يبني دولة. بقدر مايستند إلى أحوال الممالئة والمجاملة والاسترضاء وجبر الخواطر، والربت على الأكتاف. بينما يتمُّ التغاضي عن نموذج الدولة الحقيقي والجوهري، الساعي نحو ممارسة الدور العميق المناط أصلا بنموذج النظام والبناء، ومواجهة أعباء المستقبل. 
هل يمكن الحديث عن مجتمع عراقي جديد في ظل أحوال السكونية المفرطة التي راحت تحيط بالتفاصيل الموجعة والمؤلمة؟. الجميع يستنكر ويتحسر ويتألم على مآل الدولة العراقية. بينما ما انفك العراق ينزف ويفقد ويتلوى من الألم الممض. حيث الغياب المريع لآلية أو معايير واضحة يمكن من خلالها تمييز الخيط الأسود من الأبيض. بعد أن تداخلت الخنادق، وغاب التمييز، وانحدرت مستويات التطلع والترقب والتأمل. سؤال الوجع العراقي يحيل إلى أحوال الفقد و الحرمان و التبئيس، الذي راحت تعاني منه قطاعات واسعة من الشعب العراقي. حتى ملّت الناس من تكرار الوصف حول الرزء والفقد والخذلان الذي راح يحيط بكل شيء. 
 بعيدا عن سلوكيات الشجب و الإدانة والاستنكار والشتم والاستعداء، والإيغال في تكريس مشاعر الكراهية والبغضاء والتشنج والانفعال، بإزاء هذه الفئة أو تلك. تتبدى أهمية البحث في المشتركات الذهنية التي تقوم عليها ( مصير الجماعات و حركتها). سعيا للقبض على أحوال ( غياب الروح)، التي راحت تفعل الأفاعيل بالواقع العراقي، الذي ما انفك ينزف ويتلّوى ويعاني. تحت مطرقة سطوة الذهنية التي راحت تتسيد على حساب كل ما هو سياسي، باعتبار هذا الأخير يعدُّ تمثيلا للواقعي والممكن. 
الواقعة النيسانية تجعل منا متطلعين نحو إعادة النظر في المواقف والسلوكيات التي تتفاعل في الفضاء العراقي. انطلاقا من إمعان النظر في طبيعة التفاعل داخل المنظومة الاجتماعية. وما يمكن أن تفرزه من مدركات ذهنية حول طريقة التعاطي مع الواقع. بحساب التأمل العميق في مضمون الخيال الاجتماعي، بوصفه أداة للتمييز والرصد والمراقبة الفعلية في صميم الواقع، حيث النأي عن تقحمات اللا أبالية التي تستشري في السياق الاجتماعي. نحن اليوم بأشد أحوال الحاجة إلى التمييز بين ما هو نتاج للواقع السياسي القابل للنقد والتغيير، وما هو إنساني حيث الجوهري والعميق. وكم نحن محتاجون لــ (صحوة الروح).