هل تسبَّبتْ إحالة المنافذ الحدوديَّة للاستثمار بعدم إعمارها؟

آراء 2022/04/17
...

 الدكتور كاظم العقابي 
من أغرب التصريحات التي سمعتها من مسؤول حكومي هي تلك التي أدلى بها السيد رئيس هيأة المنافذ الحدودية عبر حواره مع الإعلامي عماد العصاد والذي بث من على شاشة عراق 24، إذ تضمن التصريح ما يأتي، «إن سبب عدم إعمار المنافذ الحدوديَّة هو الفساد المستشري في عملية إحالة المنافذ إلى الاستثمار، وأن الخطأ الكبير الذي عطل تطوير المنافذ هو موضوع عرضها للاستثمار؛ لذلك حال تسلمي للمهمة أخذت قرارا من رئاسة الوزراء وتم تثبيته في الموازنة أن 20 % من إيرادات المنافذ تخصص للمحافظات لتقوم بإعمار منافذها».
 
قبل الرد على هذا التصريح أود أن أوضح أن فكرة تطوير المنافذ من خلال الاستثمار تكمن في السماح للمستثمر ببناء المرافق الخدمية في المنفذ كالمطاعم، والمحال، ومحطات تعبئة الوقود، محطات غسيل السيارات، ساحات وقوف السيارات  مقابل بناء أكثر من 12 بناية تخصص للدوائر العاملة في المنافذ، والتي تشغل حاليا كرفانات، فضلا عن تبليط الشوارع الداخلية وتهيئة ساحات الكشف الجمركي، وبطبيعة الحال لهيأة المنافذ نسبة من الإيرادات التي يحققها المستثمر مع العرض أن الرسوم السياديَّة مثل الجمارك والضرائب تذهب إيرادا نهائيا لخزينة الدولة ولا علاقة للمستثمر بتلك الرسوم.
إنَّ تصريح السيد رئيس هيأة المنافذ الحدودية لم يكن موفقا للأسباب الآتية: 
- إنَّ عدد المنافذ البرية التي تشرف عليها هيأة  المنافذ الحدودية هي (11) منفذا، وإنَّ عدد المنافذ التي أحيلت للاستثمار هو منفذ واحد فقط، إذ تمت إحالة منفذ زرباطية الحدودي للاستثمار وفقا لقرار مجلس الوزراء رقم 347 لسنة 2015، فإذا كان هذا المنفذ لم يكتمل بناؤه بسبب الفساد المستشري  في عملية إحالته للاستثمار، فما الذي أخَّر تطوير وبناء بقية
 المنافذ؟.  
- لقد أغفل السيد رئيس هيأة المنافذ أن مقترح قيام المحافظات بتخصيص جزء من إيرادات المنافذ لتطوير وإعمار المنافذ هو موجود أصلا، ومنذ عام  2018 إلّا أن معظم المحافظات لم تلتزم به رغم أن قانون موازنة عام 2018 تضمن نصا صريحا في المادة 18/ ثالثا «تخصص نسبة 50 % من إيرادات المنافذ الحدودية إلى المحافظات الموجودة فيها تلك المنافذ على أن تخصص تلك المبالغ لتأهيل البنى التحتية للمنفذ ومقترباته والمشاريع الخدمية في
 المحافظات».
- إنَّ إحالة المنافذ للاستثمار ليس قرارا اتخذه الرئيس السابق لهيأة المنافذ الحدودية وإنما هو توجيه حكومي سابق، إذ صدر قرار مجلس الوزراء رقم 126 لسنة 2016 والذي تم بموجبه تخويل وزير الداخلية بتطوير المنافذ عن طريق إحالتها للاستثمار، وعندما تشكلت هيأة المنافذ صدر قرار مجلس الوزراء رقم 32 لسنة 2018 الذي ألغى اللجنة التي تشكلت بموجب القرار رقم 126 وإسناد المهمة إلى هيأة المنافذ الحدودية.
- كما أنَّه أغفل توجيه رئيس الوزراء الأسبق الدكتور حيدر العبادي باعتماد الاستثمار في تطوير المنافذ، بل أن رئيس الوزراء الأسبق ذهب الى أبعد من ذلك، إذ وجه بتحويل المنافذ الى التمويل الذاتي، وبدأنا فعلا بخطوات جادة لتنفيذ هذا التوجيه، إلّا أن جهات حكومية عرقلت هذه الخطوة بشكل عمدي ولا مجال للخوض في تفاصيل هذا الموضوع.  
 - لم يشر السيد رئيس هيأة المنافذ إلى المبالغ التي خصصتها الحكومة في عام 2012 الى وزارة الداخلية والتي تقدر بـ 200 مليار دينار لغرض تطوير وبناء كل من (منفذ سفوان، منفذ الشلامجة، منفذ الشيب، ومنفذ زرباطية)، والتي أحيلت إلى مقاولين محليين وفقا لتعليمات تنفيذ العقود الحكومية رقم 1 لسنة 2008، وأن هذه المشاريع توقفت بشكل تام منذ عام 2014 وأن نسب التنفيذ كانت 16 %، صفر %،
17 %، و 49 %) وأن هذه النسب ما هي إلا نتاج للفساد الإداري المستشري في معظم مفاصل
 الدولة. - إنَّ الإدارة السابقة عندما تسلّمت المنافذ الحدودية في عام 2017، كانت هناك ثلاث منافذ دمرت بشكل تام من قبل عصابات داعش الارهابية وهي كل من منفذ (ربيعة والقائم والوليد) وكانت جميع الأبنية الحكومية في معظم منافذنا الحدودية  عبارة عن كرفانات (ومازالت) وأن جميع المنافذ  تفتقر الى ابسط أنواع الخدمات، وامام هذا الواقع ومع استمرار العجز الحكومي كان ينبغي ايجاد وسيلة لتحسين واقع حال المنافذ لذلك اعتمدنا عدة بدائل لتطوير المنافذ، فاعتمدنا المساعدات والمنح  من دول الجوار، فمثلا بناء منفذ عرعر الحدودي تم بمنحة سعودية وبني من قبل شركات سعودية متخصصة من دون تدخل أي جهة عراقية، واعتمدنا التخصيصات من محافظة الأنبار لإعادة إعمار منفذ القائم، واعتمدنا منحة من المنظمات الدولية لتطوير منفذ طريبيل الحدودي، ثم أعلنا للاستثمار (6) منافذ للاستثمار لإيماني المطلق من أن الطرق الأسلم لتطوير المنافذ هو باعتماد الاستثمار.   - إنَّ رئيس هيأة المنافذ الحدودية بتصريحه هذا خالف توجهات رئيس الوزراء خاصة بعد المصادقة على توصيات لجنة الأمر الديواني المرقم 134 لسنة 2020  والتي تضمنت الشروع بإكمال مشروع تنفيذ مشروع زرباطية الحدودي عن طريق المستثمر نفسه والتي جاءت خلافا لتوجهات الإدارة الحالية لهيأة المنافذ الحدودية التي لم تستطع لغاية الآن التقدم بخطوة واحدة نحو تطوير اي منفذ حدودي، وأن ما ينشر عن الهيأة بتحسن أدائها بدلالة ارتفاع إيرادات المنافذ اعتبره تضليلا للرأي العام ولا أساس له من الصحة. 
 وختاما أود أن أشير الى أن المشكلة الأساسية في العراق لا تكمن في تفشي الفساد الإداري والمالي فحسب، وإنما المشكلة تكمن في غياب العمل المؤسسي فما أن تتغير حكومة او تتغير الإدارة العليا للمؤسسة تباشر الإدارة الجديدة بنسف جميع الخطط التي وضعتها الإدارة السابقة وتحاول جاهدة لإيقاف المشاريع التي بدأتها الإدارات السابقة لكي لا يحسب لها منجزا، فهل تعتقدون أننا سنتقدم خطوة واحدة للأمام إذا بقينا نعمل وفقا لهذا النهج.