الخطاط خليل الزهاوي.. الريادة والتفرُّد

ثقافة 2022/04/17
...

 مرتضى الجصاني 
تجربة الزهاوي أخذت بالنمو والتطور على مراحل حتى وصلت إلى النضج الفني الباهر والساحر في تداخلات الحروف والتناغم في اللوحة الواحدة بين خطي الثلث و"النستعليق" 
 
تمثل تجربة الفنان الخطّاط خليل الزهاوي مرحلة مهمة من خطاب التجديد في فترة يكاد يعيش فيها الخط العربي الجمود التام والتوقف عن اللحاق بركب التجديد في الفنون الأخرى ويتراجع نحو الانعزال الفني.. كان ذلك في الستينيات من القرن الماضي إذ بزغت ملامح تجربة فنية حديثة وهي تجربة الزهاوي المتمثلة في إيجاد طرق جديدة ومختلفة للتعامل مع الحرف واللوحة الخطية بصورة عامة.
 كانت هذه الملامح واضحة مع حروف خط "النستعليق" الذي يجيده الزهاوي بصورة رائعة ومن ثمّ بحروف الثلث التي كان لها وقع آخر بين أنامل خليل الزهاوي، حيث تداخلاتها وإحكام التناسق بين الحروف وإيجاد مخرج للفضاء يعبر عن المعنى المكنون للنص. 
تجربة الزهاوي أخذت بالنمو والتطور على مراحل حتى وصلت إلى النضج الفني الباهر والساحر في تداخلات الحروف والتناغم في اللوحة الواحدة بين خطي الثلث و"النستعليق" وإظهار القوة الكامنة للنص وللحرف للتعبير عمّا يجول في تفكير الزهاوي من تصوّف وروحانيَّة وتأمّل، إذ تمتاز لوحاته بالتأثيث الرائع للنص وهو ما تفتقده اللوحات الكلاسيكية في الخط العربي.
والقصد من التأثيث للنص هو عدم الاعتماد على الزخرف الإسلامي في ملء الفراغ، بل هناك حالة من التشابك والتداخل اللوني يصيغها الحرف وحده، وبذلك يكون قاعدة لونيَّة مفعمة بالتأمّل الروحاني الذي يعطي انطباعا مسبقا للنص، ومن ثم يجد النص مكانه على سطح اللوحة، وغالبا يكون مختزلا ومعبرا عن معنى داخلي يشير بصورة أو بأخرى إلى معنى خفي بين ثنايا الحروف يريد له الزهاوي أن يظهر ولو عن طريق التأمّل للنص. 
تجربة الزهاوي أيضا كانت لها صفة الريادة الفنية في حركة التجديد في مجال الخط العربي منذ منتصف الستينيات إلى حين استشهاده في عام 2007، ودور الريادة الفنية جعل الزهاوي مدرسة فنية تمتلك مؤهلات فنية خاصة لا يمكن تجاوزها، بحيث جعلت لوحة الزهاوي أيقونة فنية يمكن تمييزها من دون رؤية توقيعه عليها. 
وإذا تتبعنا أسلوب الزهاوي نجد أولى محاولاته تعود لعام 1966 عندما اتخذ من حروف التعليق أساسا لأسلوبه الذي نفذه في لوحات عدة تضمنها كتابه "قواعد خط التعليق"، وبعدها استمر يتطور مستخدماً حروفاً أخرى، كالثلث، وهو تطور على ثلاث مراحل، الأولى كانت تكرارا لحروف التعليق مستخدما امتداداته الأفقية والعمودية مستفيدا من طواعيته وليونته للوصول إلى حركة جميلة هدف إلى تحقيقها من خلال التكرار والحركة.  والمرحلة الثانية كان معتمداً على حروف الثلث ذي الأبعاد والقياسات الدقيقة المتميز بالحروف الموزونة الجافة الثابتة الحركة نسبياً. أما المرحلة الثالثة فقد توصل إليها الخطاط الزهاوي ليعطينا من خلالها شكلاً أو صورة تكون أكثر تعقيداً مما سبق، مستخدماً كلا الأسلوبين للوصول إلى ما تحمله مخيلته من أفكار وخيالات مستفيداً من اللون والحرف والشكل ضمن إطار روحي، مؤكدا قدرة الحرف العربي وقابليته على المران والحركة والتطور وفق القاعدة. 
ولد الزهاوي في مدينة خانقين في ديالى عام 1946 وأخذ خط "النستعليق" عن بعض أساتذته الآتين من إيران، ثم أخذ الإجازة الخطيَّة في خط "النستعليق" من الخطاط الإيراني زرين خط، كما كان له اتصال بعميد الخط العربي هاشم البغدادي الذي شجّعه على التمرين والاستمرار.. لقد نالت خطوط الزهاوي استحسان البغدادي. 
تركّزت أعمال خليل الزهاوي على الخط العربي حيث أقام 34 معرضا فنيّا كان أولها عام 1965، كان يوجد له جناح خاص في مركز صدام للفنون في بغداد تضمّ ما يناهز الـ 300 عمل فني، ولكن هذه الأعمال سُرقت خلال الفوضى التي أعقبت أحداث عام 2003. 
ومن مؤلفاته في قواعد الخط العربي: "قواعد خط التعليق- 1977" و"جماليات الخط العربي" و "ميزان الخط العربي" و "موسوعة الزهاوي لفنون الخط العربي" و "مصور الخط العربي" "مصور خط التعليق".