الفكرة ومقتضيات جوهر الاختلاف

ثقافة 2022/04/18
...

 خضير الزيدي 
 
معرض آخر من معارض الفنان نزار يحيى، يضعنا عند مقتضيات فكرة تخوض غمارها بالاعتماد على نظام بصري يسلكه الفنان من خلال حركة خارجة هذه المرة عن ضرب الفرشاة، إنّما بوسيلة ثانية وآليَّة مختلفة (قد تكون بواسطة مسطرة معدنية أو بلاستيكية مضمَّخة بالكثير من الطلاء) بينما تتشابك لدى المتلقي أفكار كثيرة حيال ما يتم إنجازه من اجتهاد فني. فما الذي تحقق من تلك الفكرة وما شفرات رسالتها وكيف يصل المتذوق لهذا الفن من دون فهم العمل وتحليل خطابه البصري؟. 
لنتوقف بداية عند ما يسمّيه بيار غيرو في كتابه (السيمياء) التعيين والتضمين، فالتعيين مثلما يراه بيار متكوّن من المدلول أما التضمين فهو التعبير عن القيم الذاتية المتعلّقة بالعلامة. 
في حدود معرفتي عن معرض نزار الأخير الموسوم بـ (الجسر) والذي أقامه في كاليري كريم بعمان، يسعى إلى هذه الثنائية وجود دال ومدلول، ولكن بشكل محدد وثابت في كل لوحة حتى أن المتلقي بإمكانه أن يجد المعرض كرسالة واحدة، ومادة شكل لا تمتلك أكثر من دلالة أو رمز. المعادلة في مثل هذه الرؤية تلجأ إلى طريقة الأسلوب المتبع وحدوده واختيار الصياغة الفنية.
نزار يضعنا عند فكرة (جسر) يبتدأ من نقطة معينة لينتهي عند حد لا يمكن أن يكون مستقيماً، ولا يمكن أن نراه متعرّجاً، تتعدد الأشكال وتختلف تبادلية الأنظمة في أسس العلامة، لكنّها بالأخير تتجه في بثِّ رسالة واحدة لها غاية بصرية من خلال الشكل التجريدي أولا وارتباط معيارية العمل بإنتاج الفكرة، فهل سعى هذا الفنان ليشرح لنا قيمة (النهر/ والجسر)؟، لسنا بحاجة إلى ذلك لأننا بحاجة إلى فهم ما تنطوي عليه هذه الثنائية من بعد لحادثة سياسية مثلا، كأن تكون مواجهة اضطراب عام يعيشه البلد أو لمتظاهرين يتخذون من الجسر رمزاً ودالاً معيناً أو تحمل فكرة معرض الجسر استحواذاً على تنوع إيقاع الخطى التي تسير على الجسر (عشّاق يتهامسون بالحب)، كل ما يتعلق بالمدلول ممكن أن يكون صحيحاَ من حيث التأويل، لكن الأشكال التي بدت في اللوحة تفصح عن خصائص توتر داخلي، الأمر عائد لطبيعة الطلاء والخربشات في السطح وتشابك مستوى التعامل بين اللون الأحادي ومفهوم التوازن، بمعنى أنَّ شفرات العمل الفني لنزار يحيى في معرض (الجسر) تتخذ طابعاً مبنياً من أساسين، الأول ما ينساب من وجود شفرة موضوعية، وهي، تعتمد بالأساس على المبدأ المنطقي. 
والآخر شفرة جمالية ذات مستوى ذاتي بحت. تنسحب رؤية العمل الواحد إلى توجه معين مع مركزية المعرض وفكرته الأساس. 
وفي مثل هذا التوجه سندور في دوامة شكل ينشغل بالتمثيل (الإشاري)، هناك اختزال مقصود مع تكتيك عملي جعل من الشكل يتكئ على نمط معين ولون ثابت، كأن الفنان يحدد للمتلقي خياراً من دون شروط كل شيء في مثل هكذا أعمال فنية تكون أقرب لليقين من الشك عبر طاقاتها البنائية والجمالية، لا تعيد تكرار نفسها، لكنها تمضي بخط مستقيم يحمل دلالته وما على المتابع للمعرض إلا أن يجد ما يعزز الفكرة. 
لنتفق على أن نزار يحيى أراد أن يعيد لأذهاننا العلاقة الثنائية بين (الجسر والنهر) ولكن ما الذي يثمن قيمة عمله من الناحية الشكلية؟، هذا الأمر عائد لذائقة المتلقي، وطالما العمل الذي نراه بعيداً عن التزويق وتعدد المناخات اللونية والوحدات الصورية، فنحن نقترب من شكل عام يحمل مبدأ الوظيفة الجمالية بالنسبة لي يمثل تكوينا مترابطا، ونزار هنا يقصي الشكل المبني على التصميم الشائك منطلقا من خاصية شكلية أحادية المعنى وطريقة منهج اعتمدت على المخيلة، في الحقيقة لا نرى جسراً في أشكال لوحاته هناك ما يسقط فكرة إقامة الجسر، مثلما هو عنوان المعرض، لكن خيال نزار اكتفى بمفردة وقدمها كتصوير ذهني. وهذا يعيدنا إلى مقتضيات فهم العلامة/ والدلالة التي يلوّح لنا بها (بيار غيرو) في كتابه علم الدلالة، إذ يشير إلى أن في القيم التعبيرية تكون التداعيات ناشئة من خلال المشابهة. 
لنعد إلى أعمال نزار يحيى سنجد أن فكرة العمل مشابهة، المدلول واحد، سياق الشكل متحول الى عنصر دال وبمجرد أن تقف عند ثلاث لوحات من معرضه ستظهر لك مرتكزات الأسلوب وأصل التعبير في لعبة الأشكال المفضلة والخارجة من طابع غير انفعالي بمعنى (هناك تأسيس بصري معتمد) على المتلقي أن يدرك اعتقاد الفنان بالذهاب إلى هكذا تصور فكيف نفسِّر عمل نزار يحيى؟، تخضع أعماله لتوجيه معين يسبب لدى المتلقي تشويشا، إذ كيف يمكن أن نفسِّر العلاقة بين الدال والمدلول طالما تحمل مفردة (النهر) أكثر من تأويل، إذ ممكن أن نحيلها إلى الاعتقاد الديني والأسطوري، وهذا التصور بعيد كل البعد عن مخيلة نزار لأنَّ صلة هذا الفنان بعمله لم تخرج من انفعال عاطفي، إنَّما ثمة قدرة على الشعور بأهمية الفن ذهنياً، وثانياً عين الفنان لا تلتقط الهامش من الفكرة، هناك لقطات حيَّة لوقائع مؤلمة مثلما حدث من اقتتال وعنف فوق جسور مدينة بغداد أيام المواجهات والتظاهرات هذا التصور ربما يكون سبباً لعنوان المعرض. 
أتصور أنَّ مجال الفن يثمر لنا بأكثر 
من علاقة بين الواقعي اليومي 
والمخيّل.