تواصليَّة الجماهير

آراء 2022/04/19
...

  زهير الجبوري  
 
أشار (غوستاف لوبون) عالم الاجتماع الفرنسي في كتابه (سيكولوجية الجماهير) الى مسألة في غاية الدقة حول الجماهير التي تحتاج إلى قائد ذاكرا: (لا جماهير من دون قائد كما لا قائد من دون جماهير)، ولعل هذه الكتابة طرحت قبل مئة عام من الزمن، بمعنى أن التحولات الاجتماعية والسياسية والنفسية والبيئية قد تغيرت وفق تحولات كل مرحلة من مراحل التطور الفكري 
والصناعي.
وهذا ما دفعني لقراءة الواقع الاجتماعي بتفاصيل مختلفة عبر المواقف المذكور في بطون التاريخ، فمع كل احتلال أو غزو للعراق نجد هناك حالات تنبثق من قبل أبناء المجتمع في مناطقه الريفية 
والمدنية.
فمنذ الاحتلال البريطاني للعراق في العام 1914، وثورة العشرين، وبعدها تأسيس الدولة العراقية في العام 1921، مرورا بالعديد من التحولات السياسية التي لها تأثير كبير على المجتمع، وليس انتهاءً بالاحتلال الأميركي للبلد في العام 2003، ثمّة انعطافة كبيرة تلبّست الجماهير وخطابها المباشر في تأجيج الحس الوطني، فضلا عن الوعي الذي تفرضه مرحلة الانتفاض من أجل الشعور بوحدة المكان والانتماء الى 
جذوره.
الآن وبعد تعدد وسائل الاتصال وتعدد ميول المواطن في خياراته الآيديولوجية، تظهر طرق أخرى في الانتفاض وإبداء الرأي، ولم تكن الخطابات التعبوية والشعارات ورفع (اللافتات) كافية للجماهير، إنما أصبح صوت الشخص المنتفض أقل جهدا وأكثر فاعلية عن طريق (الأزرار)، مع تعدد قنوات وبرامج هذه الوسائل، وهي انتباهة حساسة لا بد من تشخيصها.
بمعنى لا يوجد قائد ولا وسيط تتصف فيه حماسة القول وروحية الهتافات، ما جعلت سايكولجية كل فرد تشعر بالتمركز (وهي من ظواهر العولمة التي جعلت تفتيت الوحدات والمراكز والبؤر الدلالية للواقع العام)، ولا بد من التشخيص بالأمور التي جعلت العالم بأجمعه يسير بانعطافة كبيرة في خطاباته المصيرية، حتى في ثورة تشرين العراقية 2019، كان الزمن القياسي في تجمع أبناء البلد بسرعة فائقة وبتوحد الهتافات هي الآلية التواصلية التي قرّبت 
المسافات.
ومن ثم فإن طريقة التفكير اختلفت بين مرحلة زمنية معينة عن مرحلة زمنية معينة أخرى، وبإحساس واندفاع نفسي مختلف.
فالعالم اليوم غير العالم الذي تحدده المسافات والحدود، إنما خضع لسلطة (المرئي)، ليدخل في تفاصيل سياسية واجتماعية ونفسية، وقبل كل ذلك دخل في تفاصيل اقتصادية، فالعالم (بضاعة) تتداول بين الشعوب بكل تفاصيها واستثماراتها، فالانتفاضة ـ إذن ـ قللت من الحماس (النبري) وزادت من السلوك 
العقلي.