أزمة الوطنيَّة

آراء 2022/04/23
...

 د.عبد الخالق حسن
 
في كل دول العالم، لن تجد هناك مواطناً ناقماً على بلده وكارهاً له. قد تجده يشتم الحكومة ويسب الساسة. لكن أبداً لايمكن أن تصل الشتيمة والسب إلى التجاوز على حرمة البلد. جربنا في العراق هذا الشعور. فبعد أن أوغل صدام بالعراقيين قتلاً وجعله بلداً غير صالح للسكن، شهدنا موجات هجرة مدفوعة بالبحث عن الأمان والرفاهية والتمتع بأبسط مقومات الحياة. صحيح أن الشعور بالارتباط بالعراق قد ضعف عند العراقيين، لكنَّهم ما نسوا بلدهم أبداً وما فارق أرواحهم. والدليل أنَّ الكثير منهم عاد إليه بحنين طائر مهاجر بعد سقوط الدكتاتور. عادت أسراب من الطيور المهاجرة، مدفوعةً بالأمل والتوق إلى أن توظف كل ما اكتسبته في سبيل إصلاح ما تهشم داخل جسد العراق. شارك الكثير منهم في فعاليات وأعلن مواقف دعمت التحول الديمقراطي. كل هذا كان بدافع الوطنية الخالصة. أتحدث هنا طبعا عن المخلصين منهم، أما الآخرون فلا يهمهم سوى مصالحهم المريضة التي تريد نهش العراق.
ومع غياب الأمن طوال سنوات من الإرهاب، كانت صورة العراق المنقولة للخارج تحمل الكثير من التمزق والوجع والخوف، حتى أنه لم يكن أحد يتجرأ أن يزور العراق سوى المحاطين بالحرس من دبلوماسيين وغيرهم. وهذا طبعا أثر كثيراً في التصنيف العام للعراق في كل الاتجاهات. لكن مع التحسن الأمني وتجرؤ الكثير من السواح على المجيء، فضلاً عن صنّاع المحتوى من الناشطين في الميديا، صارت الصورة المنقولة عن العراق تختلف تماماً، حتى أن الكثير من هؤلاء كانوا يتفاجؤون من الضخ الاعلامي المشوه، الذي كان يصوّر العراق على أنه مكان غير صالح للعيش. شاهدنا هذا ولمسناه من تجوالهم بين الناس في المدن العراقية وهم محاطون بالحب والترحاب والضيافة المعتادة من العراقيين.
لكن ما يؤلم أننا صُدِمنا في الأيام الفائتة بحملة من ناشطين عراقيين يهاجمون فيه الجانب والعرب الذين ينقلون الصور الايجابية عن العراق، ويحاولون التشكيك بها، مدفوعين بدوافع سياسية تعبّر عن أزمة في الشعور الوطني لديهم. نعترف أن العراق ليس هو المنشود بيننا أو الذي 
نريده. وأن المشكلات التي نعاني منها كثيرة. 
لكن كل هذا لا يدفع إلى القيام بحملة تستهدف التقليل من أهمية تكاثر وتقاطر العرب والأجانب على العراق بعنوان السياحة. ويجب أن لا تكون معارضتنا للساسة اليوم سبباً في الطعن بالعراق. فكلنا ذاهبون والعراق باقٍ بوجه المحن مهما اشتدت وكبرت.