نظرة في الألم الذهني

آراء 2022/04/23
...

 رعد أطياف
 
معظمنا تتولّد لديه رغبة في إيلام الذات والآخرين، ويعدها مكسباً من مكاسبه أو اكتشافاً من اكتشافاته. لا أتكلم هنا عن الحالات القصوى للدفاع عن النفس، وإنما عن الرغبة المتأصّلة فينا لتعميق الألم، كما لو أنها ثقافة راسخة وجزء مهم من ملامح الشخصية الناجحة. نعمد إلى إيلام الآخرين وجعلهم يعانون من خلال استخدام الفكر واللغة والجسد، أعني أننا نستخدم الفكر واللغة لتعنيف الذات والآخرين، ذلك أن هذا العنف الرمزي يترك أثره المؤلم في الأعماق ويتحول إلى ذاكرة نفسية تنفخ في جمر الآلام الذهنية والنفسية. وبما أن المجتمع قاسٍ بأحكامه وقيد من القيود الصارمة، ويصعب الخروج عن مسلّماته خشية الوقوع في دائرة النبذ، (وهذا الأخير أشد أنواع التصفية فتكاً وإيلاماً). بعبارة أخرى: إن آليات الإقصاء التي يجبرنا عليها المجتمع تضعنا في مواقف ذهنية عسيرة، من خلال التفكير العدائي تجاه الآخرين الذين يقفون ضد تطلعاتنا، لأننا لا نستطيع التصرف بحرية خوفاً من نبذهم المستمر. لكن هذا ليس السبب الجوهري، وإنما الشعور بالأهمية  والتمركّز النرجسي على الذات ينمّي فينا «مشروعيَّة» إيلام الآخرين. شاهدتُ الكثير من الحالات يقع فيها الشخص الأضعف فريسة لإيلام الآخرين بحجة تفوقهم المعرفي عليه!، (وهذا ما يجعل الكثير في مواقع التواصل يكشفون شخصياتهم الحقيقية التي تخالف شخصياتهم المسالمة ويظهرون أسوأ ما فيهم). فسواء من ناحية الذات أو الآخرين كلا الطرفين يشعرون بالألم بسبب خزين الانطباعات الذي يولده العنف الفكري أو اللغوي أو الجسدي. فالموضوع أكبر من كونه ترفا أو طرحا مثاليا، وإنما يتعلّق بما تفرزه هذه الأفعال، الذهنية والجسدية، من انطباعات مؤلمة فتتشكل منها ذاكرتنا النفسية لاحقاً. من خلال التجربة الشخصية، إن مجرد التفكير بإيلام الآخرين يشعرنا بعدم الارتياح، ويؤجّج مشاعر إضافية ويخلق ظروفا مناسبة لظهور انطباعات مؤلمة، ويجعل الذهن كما المفاعل النووي، وما ينطبق على التفكير ينطبق على استخدام اللغة فضلا عن الجسد. لذا فإنَّ الخطوة الأولى لعبور ذلك الألم هو تغيير دفة الذهن للإبحار في مياه ساكنة، ويحاول عبور الموضوع الأول كعلاج أولي لتخفيف الألم فيعتاد الذهن ويركز على موضوعه الجديد.
لا يوجد كائن حي في هذا العالم لا يسعى لتجنب الألم والتوق إلى السعادة. لكنّ شريط الذكريات صعب المراس في استرداد اللحظات السعيدة، وهو كريم للغاية في منحنا ذكريات مؤلمة رغم أنها ميتة، ليس هذا فحسب بل لا بدَّ من إيلام الغير لضمان أهميتنا عليهم حتى لو كانوا يعانون.