فصوص علوية

الصفحة الاخيرة 2022/04/23
...

جواد علي كسار
 
الحِكم هي القسم الثالث مما اختاره الشريف الرضي من نصوص الإمام أمير المؤمنين بعد الخُطب والرسائل، وضمّنه كتاب «نهج البلاغة»، وقد بلغ ما انتخبه منها (480) نصاً، جاء أغلبها بكلماتٍ قصيرة، لكنها مكتنزة بالمعاني ومليئة بالدلالات، أقرب ما تكون إلى القواعد العامة والقوانين الكلية في مضمارها؛ وهذه أمثلة لها.
يقول عليه السلام: «ربّ عالم قد قتله جهله، وعلمه معه لم ينفعه» وقد ضرب شارح «النهج» المعتزلي مثالاً لذلك، من مقارنة بين ابن المقفع والخليل بن أحمد، في قصة طويلة معروفة، وكيف أن ابن المقفع لم ينفعه علمه وفطنته، بل أفضت به إلى قتلةٍ شنيعة من والي المنصور العباسي في البصرة، بينما بقي الخليل علماً يزهو بعلمه وعقله على مرّ العصور.
من قصار هذه النصوص المتجهة إلى أن تكون قوانين وقواعد وسنن، كل في مجاله، قوله: «التودّد نصف العقل»، «المرء مخبوء تحت لسانه»، «هلك امرؤ لم يعرف قدره»، «الناس أعداء ما جهلوا».
ومن مفاتيح الصحة النفسية، قوله: «الهمّ نصف الهرم»؛ والصحة الجسدية: «كم من أكلةٍ تمنع أكلات»!
ما أكثر اليوم من يدّعي الخبرة بكلّ شيء، بل هو الخبير الستراتيجي في كلّ واقعة ومسألة، وكأن الإمام يخاطب هؤلاء، وهو يصوغ مناخات الممارسة الفكرية السليمة، بقوله: «من ترك قول: لا أدري، أُصيبت مقاتله».
عن أبرز قوانين فقه المعيشة وإلى جوارها النهضة والتقدّم، يقول: «ما عال من اقتصد» أي ما افتقر، «من قصّر في العمل، أُبتلي بالهمّ»، «إضاعة الفرصة غصّة». وكمعادلة بين الثروة والفقر وحال المعيشة بشكلٍ عام، ونسق الحياة، يقول: «الغنى في الغربة وطن، والفقر في الوطن غربة».
في فقه الصداقة والعلاقات الاجتماعية، تحذّر النصوص من مصادقة بعض الأصناف، لأن صاحبها: «يبيعك بالتافه» أو: «بائعك بأكلة»، في حين يريد الإمام للصداقة أن تستند إلى معايير، منها: «لا يكون الصديق صديقاً حتى يحفظ أخاه في ثلاثٍ: في نكبته، وغيبته، ووفاته».
لقد سمع الإمام أحد منحرفي عصره من الحرورية، يتهجّد ويقرأ، فعلّق بكلمات تكشف عظمة حياة الإنسان، وهو يعيش المعرفة واليقين، إذ قال: «نوم على يقين، خير من صلاة على شك»!.