وصيَّة أمٍّ وصرخة وطن 

آراء 2022/04/25
...

 عبد الستار رمضان
 
(صحيح أني امرأة‌ كبيرة لكن قلب الأم دليلها.. أنت مو ابني، لكن أني فرحت من شفتك وتعرفت عليك، أريدك ما تتنازل عن كرامتك كرامة بلدك، تحلم بنفس حلم ابني، لأن ابني مات لأنه شريف.. ابني استشهد لأن صرخ للحق وقال أريد وطن وما رضى بالباطل... وصيتي إلك لا تنسى بلدك صير مثل محمود حر وطالب ببلدك إيكون أحلى بلد، بهالحالة راح أموت واني مرتاحة وأكول أكو من یشیل صرخه‌ ابني محمود) 
بهذه الكلمات المؤثرة والأداء الذي تجاوز الواقع الى الحد الذي لا يمكن أن نسميه تمثيلاً بل صورة من صور حياة العراقيين الذين تفاعلوا واندمجوا في المشهد الأخير من إحدى حلقات مسلسل ما مات وطن، الذي عرضته إحدى الفضائيات والذي حسب ما توفر لنا من وقت متابعة وكمشاهد بسيط أن نقول إنّه من أفضل وأنجح الأعمال التي نحتاج إليها خصوصا في هذا الشهر الفضيل، الذي غالبا ما يكون هناك مكان أو أكثر من مكان فارغ على مائدة الإفطار لابن أو أخ أو عزيز حبيب غائب أو مُغيّب لأي سبب 
كان. 
وصية أم محمود هزّت كل من تابعها وأعادت لنا الثقة بالفن العراقي الذي أصابه ما أصاب المجتمع العراقي وأكد هذا المسلسل بكل العاملين ممثلين وفنيين ومنفذين أنهم أبطال بكل المعنى لجرأة المواضيع والأفكار التي يطرحونها، والتمثيل الذي كان أقرب للواقع أو الواقع بعينه، لكن السؤال الذي لا نجد له إجابه: هل إنَّ هذا المشهد رآه وتأثر به الناس العاديون، أم شاهده وتأثر به السياسيون وأصحاب القرار؟ ألم يؤثر فيهم؟، ألم يستفز الجانب الإنساني فيهم؟!.  
ألم يؤثر في نفسياتهم وهم ينظرون من خلال أم محمود إلى آلاف وربما عشرات آلاف الأمهات اللواتي فقدن أبناءهم والكثير منهم لا يوجد له قبر أو خبر.  
شهداء انتفاضة تشرين وقبلهم مئات الآلاف وربما لا نبالغ الملايين من أبناء الشعب العراقي شهداء وضحايا الأنفال وحروب الجيش العراقي التي خاضتها الحكومات السابقة، والمواطنون الذين تمَّ إعدامهم وتصفيتهم وتغييبهم ودفنهم في مقابر جماعيَّة، أو تذويبهم في أحواض التيزات أو دفنهم وهم أحياء وضحايا الإرهاب والأبرياء القابعون في السجون والمعتقلات العلنيَّة والسريَّة وآلاف آلاف الأمهات والزوجات والبنات والأخوات والحبيبات اللواتي في قلوبهن أوجاع وآلام وأحزان وفواجع أكثر من أم محمود وصرخة الوطن الذي أنتم مسؤولون عنه وعما جرى له وفيه. 
وصية أم محمود لنا جميعا أن لا ننسى العراق مثلما لا نستطيع أن ننسى أحباءنا الغائبين، ويظل مطلبنا أن يكون بلدنا حراً وأحلى بلد كما ورد في وصية أم وصرخة وطن.