نقد أنظمة التفاهة

ثقافة 2022/04/25
...

  حسن الكعبي 
 
ظهرت التوجهات النقدية للتفاهة بعد صدور كتاب (نظام التفاهة للان دونو)، لكن وبعكس التوجيه النظري لدونو بنقد الأنظمة المنتجة للتفاهة، فإنَّ النقود المجاورة للنظرية توجهت بنقد الظواهر من دون الأنظمة أو نقد ردود الأفعال والتغاضي عن الفعل، ومن شأن ذلك أن يسهم بديمومة النظام وديمومة الفعل المنتج للتفاهة، فالعناية بالظاهرة يعني التغاضي عن الأسباب فضلاً عن تبريرها والتواطؤ معها بشكل غير مقصود، مما يضع النقد تحت هيمنة التفاهة وتأطيره وجدولته من ضمن قائمة المنتجات التافهة التي تفرزها هذه الأنظمة، بمعنى أن النقد في هذه الحالة يكتسب صفة التفاهة أيضا، باعتباره ممارسة تقنية مفرغة من المحتوى المعرفي.  وهذا يعني أن هنالك ممارستين لنقد التفاهة، نقد يلامس الظواهر من منطلقات تقنية مفرغة من المحتوى المعرفي، وممارسة نقدية جوهرية ترتكز على المناشط المعرفية في نقد أنظمة التفاهة وتقويض أركانها، وهو ما يدعو اليه - دونو - بتأكيده على ضرورة وجود مثقف إشكالي جذري يمارس وظيفته في نقد التفاهة، ويكون بالضد من المثقف الخبير التقني الذي يبرر انتاجية الأنظمة.
 وقد استعان – دونو -  بتفصيله التقسيمي للوظيفة الثقافية باستبصارات - ادوارد سعيد -  الذي نظر للوظيفة الثقافية في سياق ثنائية المثقف العمومي أو الهاوي الذي ينهض من الهامش لتقويض المركزيات الامبريالية، والمثقف المحترف الذي يتقاضى مبالغ معينة لتبرير المركزية الامبريالية، وهو تقسيم جوهري في خطاب ادوارد سعيد، والذي تمكن من خلاله تجاوز ميشيل فوكو رغم أن عمل سعيد يدين له بوصفه المرجعية التي اقام عليه مشروعه في نقد الكولونيالية. ومفارقة سعيد لخطاب فوكو يكمن في هذه النظرة الراديكالية لمفهوم المثقف، في حين أن رؤية فوكو استسلامية تنظر إلى أن السلطة تمتلك هيمنة ترانستدالية لا يمكن أن يطالها النقد.
إنّ دونو وباعتماده الوظيفة الثقافية وضع مشروعه المهم ضمن الدراسات ما بعد الكولونيالية التي تهدف إلى تقويض المركزية الرأسمالية في سياق هيمنتها على المناشط العلمية ومراكز التجارة والاقتصاد، وعلى مؤسسات الانتاج الفني والثقافي التي تمكّنت الرأسمالية من السيطرة عليها وتكييفها لمتطلبات التبرير لانتاجيتها التي تخلو من روح الإنسانية لصالح ذلك الهوس المادي ونفعيته المدمرة، وهو ما يعمل دونو على تقويضه ضمن مرتكزات النظام. لذا يبرز عند دونو ذلك الاهتمام الكبير بنقد النظام المنتج للتفاهة كأولوية في مشروعه الفكري، من دون أن يعنى بالظواهر التي يعتبرها مجرد أدوات تبريرية تسعى لتغطية الوجه القبيح للنظام.
إنّ نقد الظواهر هو ضرورة لكن شرط عدم التركيز عليها وإغفال أسباب إنتاجها التي تتعلق بالنظام، فالانجرار وراء الظواهر التي وجدت من أجل التغطية على النظام بوصفها جداراً سميكاً يحجب نوايا النظام، لا يعدو هذا النقد كونه نوعاً من التواطؤ مع أنظمة إنتاج التفاهة.