مفتاح.. مثال غازي

ثقافة 2022/04/27
...

 أ.د. باسم الأعسم
 
يستفيد الكاتب الدرامي مثال غازي من الأدب القصصي المحلي لإثراء النص المسرحي على صعيد الجوهر الثيمي، إذ انتقى قصة قصيرة بذات العنوان (المفتاح) للقاص الراحل عبد الستار ناصر، وأضفى عليها ما يعزز فكرتها الرئيسة، وتنامي الأحداث التراجيدية المتمحورة حول اضطهاد رجل مسالم ومن ثم الاستحواذ على منزله، وإيداعه السجن وتعذيبه من قبل رجل متوحّش الطباع، لا رحمة في قلبه بدوافع شتى وعندما يخرج الرجل صاحب المنزل من السجن وقد احتفظ بمفتاح المنزل، يقرر الانتقام من الذي اغتصب منزله ويحرقه على ساكنيه، لكنه لم يفعل ذلك، بل يتحول من منتقم إلى متسامح بوصفه إنسانا
 واعياً.
إنَّ أثاث المنزل يوحي بواقعية الحدث المرمَّز، وقد عمَّم المؤلف شخصيات النص الثنائية (الرجل والمرأة) مثلما عمَّم الحدث رغم خصوصية المكان، وأن الثيمات الثلاث (المنزل والمفتاح والعطر) قد شكلت البنية التركيبية للنص الدرامي المفعم بقيم التسامح، كردِّ فعل على وحشية الآخر الفاعل لتراجيديا الحدث، فاتضحت الثنائيات (الشخص المجرم والشخص المسالم، الرجل والمرأة، المرأة المتوفاة والمرأة الحيَّة، الماضي
والحاضر). 
مما يؤكد أنَّ مسرحية المفتاح تجسّد صراع المشاعر النفسيَّة، على وفق لغة فصيحة مهذّبة مزدانة بالرمز والدلالات الواضحة، إذ لم ينزاح النص باتجاه السرد المقيت، فكان النص قصيراً مشذّباً، على الرغم من كبر معانيه، التي أريد لها أن تتسع لتأخذ أبعاداً اجتماعية وسياسية ونفسية، تتخطى زمكانية
الحدث.
في مقاربته الإخراجيَّة سعى المخرج أسامة السلطان إلى الإبقاء على أثاث المنزل بواقعيتها وأناقتها لتأثيث بيئة العرض السينوغرافية معوّلاً على مسألة التحول في الشخصيات وخاصة الرجل الذي تحولت دوافعه من رجل معبأ بمشاعر الغضب والثأر إلى داعية للسلام والتسامح الذي يعدّ من أخصّ جماليات العرض كما يقرُّ بذلك المخرج.
لذلك، جسد النص ونص العرض صراع الإرادات لبناء حياة يسودها الأمل والعدالة والحرية والجمال، بما يجعلنا نتفق والرأي الذي أبداه المؤلف في فولدر العرض من أن المفتاح قصة وطن وشعب يستحق الحياة، وأن الحكاية هي مرآتنا التي تعكس صورنا، ومن الضروري أن نطل عليها لنعرف من نحن!.
كنّا نأمل تجسيد مشاعر القلق والترقّب في أثناء دخول الرجل إلى منزله المغتصب، على الرغم من احتفاظه بمفتاح المنزل، ما دام العرض يعزف على وتر المشاعر، ولتحقيق قدر من الاندهاش الناتج عن المواقف اللحظويَّة الحرجة بسبب وجود المرأة في المنزل، وكذلك تعميق لحظات التحول السلوكي للرجل في نهاية العرض المتوافقة مع إيقاد الشموع في أعلى عمق وسط المسرح للدلالة على النهاية السلمية للأحداث.
إنَّ الأداء التمثيلي المنضبط للممثلين (هاشم الدفاعي وإسراء العاني) في تجسيد لحظات الاحتدام والألفة بينهما قد أسهم في تألق العرض ونجاحه، والدليل على ذلك حصول العرض على أربع جوائز ضمن مهرجان «أيام كربلاء الدولي للمسرح» وفي مقدمتها: فوز الممثلين والنص بوصفهما من أهم دعائم العرض الذي خلا من الصراخ والرتابة الإيقاعية والمونوتون الأدائي، وتلك من أخصّ علامات عرض
المفتاح.