أرض السواد

آراء 2022/04/29
...

  نجاح العلي
بعد 2003، ومع بزوغ القنوات الفضائية، ومواقع التواصل الاجتماعي، انقلبت أشياء كثيرة، منها الخوف  الذي غدا  لا يخيف أحدا، والموت الذي  صار  له أعوان ومناصرون وشعبية، ومنها أن التورّم الإعلامي رافقه فقدان مفاجئ في الذاكرة
 
قديما ما ان يطأ زائر أرض العراق حتى يرى غمامة سوداء لتتضح رويدا رويدا بأنها غابات كثيفة ومتشابكة من النخيل والحمضيات والأعناب؛ وقرأنا وسمعنا الكثير من زائري العاصمة بغداد حديثا يسردون في مذكراتهم ومقابلاتهم أن مشهد غابات النخيل المترامية الأطراف هو اول مشهد يكحلون عيونهم به عند دخول طائرات المسافرين أجواءها يرافقه تنويه بدخول المدينة تأهبا للنزول في مطارها.
الآن مع تجريف البساتين والاستمرار في تحويل جنس الاراضي الزراعية إلى سكنية، حتى المتنزهات الكبيرة في بغداد التي خطط لها لتكون رئة بغداد تنقي هواءها من ثاني اوكسيد الكاربون، وتقلل من تأثير العواصف الترابية وتعدل من مزاج ساكنيها هي الأخرى طالتها يد التجاوز على مساحاتها الخضراء وبحيراتها، بفعل التوسع في افتتاح المولات والمطاعم والكافتيريات والكافيهات وصالات الألعاب والتسلية.
بغداد من أصغر مساحات المحافظات العراقية بمساحة تقارب المئتين كيلو متر وتشهد كثافة سكانية عالية بعدد سكان تجاوز التسعة ملايين نسمة، وهي ثاني اكبر مدينة عربية بعدد السكان بعد القاهرة، فضلا عن انتشار الأسواق والمخازن والمعامل والورش والمشاريع الصناعية في وسطها وأطرافها، كلها تدفع بضرورة زيادة المساحات الخضراء فيها وفي توسعة الحدود الادارية لها، خاصة من جهة الشمال والشرق التي تمتاز بخصوبة أراضيها ووفرة مياهها.
وعلمنا أن الأمانة العامة لمجلس الوزراء أدرجت مشروعا طموحا وحيويا بإنشاء غابة في شمال العاصمة بغداد تعمل كحزام أخضر يقلل من تأثير العواصف التربية، وينقي الأجواء ولكي لا تخسر تسمية أرض السواد مدلولاتها. حسب الخبراء والمختصين أن التصميم الأساس لمدينة بغداد بحاجة إلى مراجعة وتعديل وتوسعة وأصبح لا يلائم متطلبات العصر والكثافة السكانية التي بدأت تضغط على شبكات الماء والكهرباء والخدمات الصحية والمواصلات، فضلا عن الجانب البيئي  وانحسار المساحات الخضراء وتلوث الهواء الناتج من عوادم السيارات والمولدات الأهلية والمشاريع الصناعية والخدمية وضرورة سن تشريعات تشجع استخدام الطاقة المتجددة وتوقف التجاوز على الأراضي الزراعية، لكي يعود السواد الأخضر لبلدنا كما هو عهده منذ آلاف السنين.