حلقات استكمال الدولة

آراء 2022/04/29
...

 بشير خزعل 
الفساد بجوانبه وتفرعاته المختلفة لا يقتصر في ما يفرزه من سلبيات علي قطاع معين في المجتمع، بل تمتد آثاره لتطول جميع أفراده، وله تأثير مباشر في اقتصاد الدولة بسبب تعطيله عجلة التنمية، ويخل بقواعد الاستقرار السياسي
 
عندما تبرز أنظمة وهيئات تعتمد على سيطرة رأس المال والرشوة، وبرغم كثرة المنتقدين والمدعين بمحاربة الفساد، الا أن هذه الآفة تغولت وكبر حجمها لتهيمن على أغلب جوانب ومفاصل المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، وتسببت باستنزاف الموارد والامكانيات والاختلال في البنى الأساسية، التي ترتكز عليها عملية التنمية، حتى أنها أصبحت تهدد سيادة الدولة  لما ستعانيه من مديونيات كبيرة، وعدم قدرتها على تحقيق النواتج الكافية لسد تلك الديون وتحقيق مستوى نمو مقبول مع استمرار توسع الفساد.
هذه الظاهرة حظيت باهتمام الكثير من الباحثين والمهتمين، واتفقت أغلب الآراء على ضرورة تأسيس إطار عمل مؤسسي، الغرض منه مكافحة وتضييق حجم الفساد  من خلال خطوات جدية ومحددة على اختلاف صورها ومظاهرها وفي جميع مجالات الحياة،  لا شك أن ارتفاع مستوى الفساد في أي مجتمع هو انعكاس لغياب الحكم الصالح فيه، بمـا ينطـوي عليـه مـن عــدد مــن المقومــات أهمها العقلانيــة فــي اتخــاذ القــرارات وعلــى مســتوياته الأعلــى بشــكل خــاص، وتــوافر الشــفافية و المســاءلة والمحاسبة التــي لــو تــوافرت فــي أي نظــام سياســي تجعــل مــن الفســاد ممارســة محــدودة، توجد مؤشرات دالة على وجود خلـل فـي إدارة الدولـة العراقيـة منـذ نشـأتها، نتجـت عنـه آثـار خطيـرة جعلـت مهمـة البنـاء الـديمقراطي فـي العهـد الملكـي عسـيرة، وانتهـت مـع بدايـة النظـام الجمهـوري الـذي اتسم بالعسكرة، فلـم تكـن هنـاك حلقـات متصـلة لاسـتكمال بنـاء الدولـة بـالمفهوم المعاصـر، ومع وجود فوضى وتدافع وخصومات بعد العام 2003 استكمل فقدان المزيد من حلقات بناء الدولة، وأصبح الأغلب من عملوا بالسياسية والادارة والقيادة من أصحاب رؤوس الأموال الضخمة، التي اتخمت خزائن البنوك الاقليمية والعالمية، أرقامٌ مخيفة تصل إلى عشرات المليارات من الدولارات حجم الاموال المنهوبة خارج العراق، ولا من سائل ولامن مدعي بحقوق العراقيين، منذ عام 2003، وحتى 2012 يقبع العراق في ذيل مؤشر الفساد لمنظمة الشفافية الدولية، ليكـون مـن أكثـر بلـدان العـالم فسـادا، والمتوقـع أيضـا أن يبقـى لفتـرة أطـول، وهـو مـا يشـغل المجتمـع العراقـي والمجتمـع الـدولي لانحسار فرص التنمية والاستثمار وتقويض شـرعية الإنجـاز للنظـام السياسـي القـائم، إذ لـم يشـهد العـراق حتـى فــي زمــن الديكتاتوريــة، استشــراء الفســاد السياســي بهــذا الحجــم، واتســاع دائرتــه، وتشــابك حلقاته، وترابط آلياته، بما يهدد اسـتقرار الدولة ويعرقـل بنـاء المؤسسات، ومسـيرة التنميـة الاقتصادية.