أزمة «الرقّي»

الصفحة الاخيرة 2022/05/07
...

جواد علي كسار
 
للوهلة الأولى عمّ الفرح المشوب بالزهو والانتصار أوساط التجار الإيرانيين ولا سيما مصدرو الفواكه والخضار، عندما ازداد طلب الأتراك على الرقّي الإيراني، حتى ارتفعت فيه صادرات هذه الفاكهة لتركيا، إلى (700) حاوية يومياً.
إيران في أزمة اقتصادية كبيرة من حيث غلاء الأسعار، والتضخّم المتصاعد، وتدني قيمة العملة الوطنية، ومن ثمّ فقد جاء الارتفاع المتزايد لنسبة صادرات الرقّي إلى تركيا مكسباً اقتصادياً ونفسياً كبيراً، خاصة بملاحظة علاقة الندية والتنافس بين تركيا وإيران، ليس فقط على مستوى الميزان التجاري بينهما (وهو غالباً ما يميل لصالح تركيا!) بل على صعيد أسواق المنطقة أيضاً، ولاسيّما العراق وبلدان الخليج. وهذه جميعاً عوامل عزّزت الفرحة، وحوّلتها إلى ما يشبه الانتصار الإيراني على تركيا، وتسجيل هدف اقتصادي ثمين في صميم السوق التركية!. كان يمكن للقصة أن تستمرّ على هذه الشاكلة من الشعور الوهمي بالنصر، لولا جشع التجار الإيرانيين، فمع تزايد صادرات الرقّي ارتفعت قيمته في الأسواق الإيرانية، وأثّر ذلك في المستهلك الذي رفع صوته بالمعارضة. عندئذ انتبهت الصحافة وبعض الجهات المعنية إلى لغز تصاعد الطلب التركي على الرقي الإيراني، عندما لاحظت أن تركيا قللت هذا العام من مساحات زراعة الرقي على أراضيها، اقتصاداً في المياه وتوفيراً لها.
وفي التفاصيل ذكرت مصادر إيرانية مختصة، إن إنتاج الكيلو الواحد من الرقّي يستهلك ما بين (200ـ 300) لتر من المياه، ومن ثمّ فهو يصنّف في عداد الفواكه المستهلكة للمياه الكثيرة، لذلك خفّضت تركيا من حجم زراعته واتجهت للاستيراد، لأنه أوفر للمياه.
ليست أزمة المياه شيئاً جديداً في إيران، لكن ملفها في تصاعد خلال السنوات الأخيرة، فالجفاف في هذا البلد يتزايد، ومعدّل الأمطار هو ثلث المعدل العالمي، ونسبة الجفاف هي ثلاثة أضعاف المعدّل العالمي، وحجم المياه وراء السدود في انخفاض، مقابل استهلاك مفرط للمياه الجوفية، عرّض عشرات المدن إلى ظاهرة انخساف الأرض، وقد زادت في حدّة الأزمة أساليب السقي التقليدية في الزراعة، والهدر الكبير للمياه في الصناعة، عندما ذكرت المصادر المختصّة إن إنتاج الكيلو الواحد من الصلب مثلا، يستهلك (35) ألف لتر من الماء!
هذا أنموذج لما يجري من حولنا في دولتين جارتين في أزمة أعتقد أنها مشتركة فيما بيننا، إن لم تكن مفاعيلها أعمق على أرضنا؛ هي أزمة المياه، فماذا نحن  فاعلون في قضية تمسّ حياتنا الحاضرة بالصميم، وتهدد مستقبل الجيل القادم؟!.