الأداء ما بين المسرح ودراما التلفزيون

ثقافة 2022/05/09
...

 د. علاء كريم
 
الدراما والمسرح كلمات مرتبطة بالفنون الأدائية والتي لها معنى مشابه للعديد من الناس، والدراما لديها أشكال عديدة يجب أن تفسّر على أنّها، عملية أداء وتجسيد على خشبة المسرح أمام الجمهور أحياناً لتكون حلقة من الحياة، أو يمكن أن تكون خيالاً مليئا بالعواطف والصراعات، التي تتطلب مساحة ليتسنى للأفراد الذين يلعبون الشخصيات عليها الحركة والاستمرارية داخل الفضاء. ومن ثم ترتبط الدراما بالأداء «التمثيل» والذي هو نشاط يتم فيه سرد القصة عن طريق تفعيلها من قبل ممثل أو ممثلة تتبنى الشخصية في المسرح أو التلفزيون، أو أي وسيط آخر يستخدم أسلوب المحاكاة. 
وتتضمن فلسفة الأداء في التمثيل المعاصر مجموعة واسعة من المهارات، منها الخيال المغاير والملامس للعاطفة والتعبير الجسدي والإسقاط الصوتي ووضوح الكلام والقدرة على تفسير الشكل الدرامي، وذلك يتطلب القدرة على استخدام اللهجات واللكنات والارتجال والمراقبة والتمثيل الصامت والاستمرارية في الأداء المسرحي والدرامي. وقد يحتاج الأداء الى خصوصية في التدريب عبر قراءات فاعلة داخل ورش متخصصة أو كليات لتطوير هذه المهارات التي تخضع لمفاهيم وقيم مهنية مؤثرة للممثل والممثلة من أجل الحصول على معرفة في العمل الفني للمشهد المسرحي، وتقنيات الاختبار والتمثيل أمام الكاميرا.
عند مشاهدتنا الدراما العراقية وما قدمته في الآونة الأخيرة، كان هناك تركيز على أداء الممثلين وعبر العديد من الوجوه والأشكال الجديدة لفلسفة الأداء الجمالية، والتي نتجت عن شكل نص أو نثر أو فكرة قصة مليئة بالمشاعر والنزاعات الإنسانية، ليصبح المسرح جهة فاعلة على تنفيذ أدوار الشخصيات عبر انزياح العديد من الممثلين الى الحركة المسرحية أمام الكاميرا، ليتم خلق دراما قد تكون مجردة وذاتية، الأمر الذي يتعلق باستخدام الأفعال الملازمة للممثل وأبعاده الشكلية بعيداً عن مضمون الشخصية، وهذا يؤكد على أن هناك اختلافا، ما بين الأداء في المسرح والدراما التلفزيونية، والذي اكتشفت عن طريق نظريات مثيرة حول بنية ومعنى فن الأداء فيهما، فكل المهتمين بالفن يلجؤون إلى الدراما كشكل للاتصال، إذ يرون أن الشكل الدرامي هو أفضل من أية وسيلة أخرى للاتصال بالإنسان.إذ يؤكد «ايريك بنتلي»: إنَّ أشكال الدراما لها علاقة ترتبط بالمواقف القصوى التي يجسدها الممثل، والذي يجد نفسه أحيانا أنه تورّط ليقوم ببعض الأفكار والسلوكيات بأداء مسرحي وحركة مغايرة، وهذا ينزاح بنا الى أن المسرح يؤثر في حركة وأداء الممثل في الدراما التلفزيونية وعلى الفعل الدرامي. وفي جوهر تشريح الدراما لـ «مارتن اسلن»، ضمن فصل الوهم والواقع، يقول: الدراما أو المسرح عمل إيمائي تقليدي للعالم الواقعي باللعب وبالادعاء، والدراما التي نراها في المسرح وعلى شاشة التلفزيون هي وهمية الصنع. ومع ذلك، تعد مقارنتها بالفنون الأخرى المنتجة للوهم، انعكاساً لنص درامي يمثل عنصر الواقع.
وعليه فإنَّ الدراما أثناء أدائها وكـ «نقيض» لبقية الفنون المنتجة للوهم، يمكن لها أن تحتوي نسبة كبيرة من الواقع. وهذا ما يتجسّد في العرض المسرحي الذي يمتلك مميزات رئيسية للدراما تكون إحدى مفاتيحها المهمة والتي تؤدي أداء خياليا، ناتجا عن وعي وخيال الكاتب المعني بالمحاكاة وجزئياتها المرتبطة بـ «الواقع» المباشر للممثلين، وبقية العناصر التي ترسم سينوغرافيا العرض، حتى يظهر أداء الممثلين في المسرحية كعملية انبعاث للكلمات والافعال الجامدة، ليعاد تجسيدها بالمباشرة الحية ودلالاتها الأدائية. في الدراما يتركز الانتباه وبشكل واسع على العنصر الأكثر أهمية «الأداء» والذي يعد سحراً، فهو من العناصر التي تلعب الدور الحاسم في جذب الجماهير إلى المسرح أو مشاهدة التلفزيون، عبر تأثير التجربة على فهم وذائقة المتلقي التي يستمدها من التجربة الجمالية في الأداء. 
على ضوء ذلك نرى أن تأثير عنصر ثابت (النص) مع عنصر متدفق (الممثلون) في المسرح، هو ما يجعل لكل أداء نمطا فنيا قائما بذاته، ولو أخذنا مثالاً، المسرح الصيني الكلاسيكي، تكون فيه النصوص معروفة من قبل المشاهدين، رغم أنها طويلة جداً، نجد خلال ذلك المشاهدين الذين يتقبّلون النصوص يأتون ليشاهدوا كيف سيؤديها بعض الممثلين، وهل هي بالطريقة نفسها التي تجسد الدراما الكلاسيكية كـ «نصوص» شكسبير، ويأتي هذا الحكم على الممثلين لأنّه مهتم برؤية كيف يختلف أداء ممثل لآخر.كما أن هناك عنصر تشويق ثالثا، يمكن تسميته التشويق المصغّر لمسار الحوار وحركة الأداء لحظة التشويق التي تحمل في طياتها مجموعة من الأسئلة يعتمدها المخرج كـ «وحدات» تحمل الأجوبة المحتملة لكل سؤال مفترض اتجاه الأداء المسرحي أو الدرامي، أو حتى في الايماءات التي تظهر لتشكل المشهد. وفي الدراما التلفزيونية نجد أيضاً حركة الكاميرا للأفعال البصرية، تعمل على ضبط أداء العمل الفني المصاحب لـ «تعابير» الممثلين وحركاتهم على شاشة التلفزيون، ليصبح الاداء متسيداً للتشويق عبر نظرة أو حركة غير متوقعة يجسدها أحد الممثلين، إلى آخر تنتج بعداً جمالياً له معان متعددة.
لذا أرى أن الأداء في الدراما والمسرح ينبغي أن يؤدي إلى حقيقة يمكن لها خلق نوع من التزاوج بالمفاهيم الأدائية، للخروج بمقاربات مهمة توحد وحدة الخلق الإبداعي، وإيقاظ وشد انتباه الجمهور، بوساطة التوقع والاهتمام، عند متابعة ممثل يتحكم باحترافية بالجوانب الجسدية أثناء التمثيل، ايضا وهو يتعامل مع أدواته والتلاعب بصوته وحركته بهدف التأثير في المشاهد.