البحث عن قاتل مارلين

ثقافة 2022/05/11
...

 هدية حسين
ما إن تذكر الرواية البوليسيَّة حتى يتصدر اسم أجاثا كريستي (1890 - 1976) فهي الأشهر والأفضل مبيعاً على الإطلاق بحسب موسوعة غينيس، كتبت 66 رواية بوليسية و14 مجموعة قصصية وعددا من المسرحيات وهي صاحبة أطول مسرحية في العالم، وفي هذه الرواية التي نتناولها (مبنى الرجل الميت) التي صدرت عن دار الأجيال سيكون ثمة تغيير في الطريقة التي سبق أن تناولتها في جميع رواياتها.
 حيث أن بطلتها أريادين أوليفر مثلها كاتبة روايات بوليسية، اضطرت لاستدعاء المحقق هيركيول بوارو ليلعب معها لعبتها المثيرة، وهيركيول بوارو هو الشخصية التي ابتكرتها كريستي ليحقق في الجرائم التي تبتكرها مخيلتها، أما اللعبة فتقوم على رسم جريمة غير حقيقية من أجل التسلية في الحفل الذي سيقيمه السير جورج ستبس ويشارك فيه عدد من المدعوين، وقد خُصصت جائزة لمن يجد القاتل، لكن أوليفر ما إن أكملت ترتيباتها في البيت الذي كان مهجوراً ويعود للسير جورج شعرت بأن شيئاً ما ينقصها لم تستطع التوصل إليه، فاتصلت بصديقها بوارو ليساعدها في ذلك، أعطته العنوان فأسرع إليها، وأخبرته أنها تقاضت مبلغاً كبيراً من أجل هذه اللعبة التي سيكون فيها مجرم وضحية ومشبوهون وعشاق وامرأة لعوب ونجمة سينمائية وخادم شرير ومفاتيح تقود الى مكان الضحية، وسيكون بوارو في نهاية اللعبة هو الذي يوزع الجوائز على الفائزين.
وبعد أن رتبت كل شيء بقي ثمة شيء استعصى عليها، بمعنى أنها لا تعرف ما هو الشيء الذي لا تعرفه كما قال لها بوارو لذلك عليه أن يجد ذلك الشيء الذي يُكمل سير اللعبة، لقد أسهم البعض بمقترحات للعبتها إلا أن شخصاً واحداً كان الأكثر ذكاء من الآخرين وكانت فكرته تخص البحث عن القاتل، إنّها فكرة السيدة ماسترتن زوجة عضو البرلمان عن المنطقة، إنّها امرأة شديدة الذكاء على عكس زوجة السير جورج التي توصف بقلة العقل، فهل ستتم اللعبة كما خططت لها أوليفر أم أن أمراً ما سيقع ويغير مفاتيحها؟، إنْ لم تتغير اللعبة لأصبحت هذه الرواية أقل من عادية، فكيف تغيرت البوصلة لتتحول من لعبة للترفيه إلى جريمة غامضة أتهم فيها أكثر من طرف؟
ترسم كريستي شخصياتها بدقة متناهية كما لو أنها في موقع أثري تزيل عنها الشوائب وتمنحها الحياة، وهذا ما كانت بالفعل تقوم به عندما كانت في العراق مع زوجها عالم الآثار ماكس مالوان حيث رافقته في جميع تنقيباته من أور إلى موقع النمرود إلى تل عربجية، وكان عملها يقتصر على تنظيف المنحوتات وتسجيلها وتصويرها، لذلك يرى القارئ تلك الشخصيات كما لو أنها منحوتات تكشف عن نفسها شيئاً فشيئاً لتصبح كأنها من لحم ودم وليست مجرد شخصيات ورقية. 
وعادة ما يكون في كل عمل من أعمال كريستي عدد كبير من الشخصيات تساعدها في تضليل القارئ وهو يبحث عن المجرم صحبة المحقق هيركيول بوارو، وما إن حضر بوارو وشرحت له أوليفر لعبتها حتى قام باستكشاف المكان ثم الوصول إلى سقيفة القوارب، حيث ستكون هناك مارلين الشابة التي أسند لها دور الضحية. ستكشف كريستي عن العديد من الشخصيات وبتفاصيل كثيرة عن صفاتها وحياتها لتوهم القارئ فيما بعد بأن لكل شخصية دوافعها في حدوث الجريمة، وترصد أيضاً الحياة العامة للناس حيث اللامبالاة التي تسيطر عليهم حتى في أحلك الظروف كالحرب مثلاً، وتفتح باباً للنظر إلى ما يحدث في قصور الأغنياء وضيوفهم الأغبياء ونسائهم اللواتي لا يهمهن إلا البحث عن الملابس الفاخرة والمجوهرات الثمينة، وهكذا يدخل القارئ إلى بيت السير جورج ليرى هذه النماذج التي تريد كسر روتينها فتطلب من كاتبة روايات بوليسية أن تبتكر لها لعبة قتل ليتسلى الجميع.
قبل أن تبدأ اللعبة وزعت أوليفر استمارات على المشاركين فيها معلومات وستة مفاتيح للحل على المشارك أن يتبعها في ضيعة السير جورج، كما شرحت لبوارو اللعبة اللغز فشكّ أن أحداً يمكنه الوصول الى القاتل، وسيلعب المكان بكل تعقيداته الجغرافية أحد أهم الصعوبات لذلك حتى أنه يوصف خارج سياقاته الزمنية، لكن لعبة الجريمة المفترضة ستشعر الجميع بالمرج وتثير فيهم الحماسة، وسيمضي القارئ ما يقارب نصف الرواية في وصف المكان والشخصيات والحوارات التي تجري بينهم على موائد الطعام والتي ستكشف دواخلهم الهشة وصفاتهم الغريبة أو المريبة، ثم ينطلق كل الى البحث فعساه أن يكون من الفائزين، إلا أن اللعبة ستأخذ منحى آخر وستتحول الى جريمة حقيقية مكتملة الأركان حين يكتشف كل من بوارو وأوليفر عندما يذهبان لتفقد مارلين التي تقوم بدور الضحية في سقيفة القوارب بأنها مقتولة فعلاً، لتبدأ الشبهات وتشمل الجميع ليس الضيوف فقط بل حتى الناس الذين يسكنون قريباً من قصر السير جورج والعابرين الى الغابة القريبة، لكن الأمر يبدو كما البحث عن إبرة في كومة قش، إذ كيف يمكن الوصول الى القاتل الفعلي من بين مئتين من الحضور أغلبهم مشتبه به ومن بقية الناس حيث رسمت أجاثا كريستي شخصياتها بطريقة توحي بأن كل واحد منهم يمكن لو وُضع في ظرف خاص أن يرتكب جريمة.
سيستجوب الجميع بما فيهم المحقق هيركيول بوارو وإريادن أوليفر التي وضعت لعبة القتل، وقد بدت اللعبة غريبة للمفتش بلاند الذي استدعي للتحقيق في هذه الجريمة، وسيأخذ التحقيق النصف الثاني من الرواية قبل أن يتوصل الى القاتل الفعلي الذي لم يخطر على بال القارئ، ترى من قتل الشابة مارلين التي توصف بأن ليس لها عدو واحد على الأرض؟ هذا ما سنتركه للقارئ ليستمتع برواية تبحث عن المغاير حتى لو كان لعبة تقود الى جريمة.