فوتوغراف محمد خضير

ثقافة 2022/05/11
...

 علي سعدون
 
ينبثقُ عودُ الإبداعِ من اللغة النادرة، ومن حفريَّات لا تسكن أو تهدأ إلّا وهي مخضَّبة بالممتع والنافع من الكلام، ربما يجري هذا النسق من التدوين في مجرى ما نريد أن نؤكده بمناسبة ثمانينيَّة الكبير محمد خضير، الاتجاه نحو بوصلته تحت عنوانات الفرادة في مشروع طويل من التثاقف والكتابة، ومن ثم التنظير في قضايا شائكة ومعقدة بجرأة ونظرة ثاقبة وحادة، وليس انتهاء بما يجترحه من امتزاج فكرة الكتابة بفكرة التشكيل والرسم وهما يسيران باتجاهين نحو تقانات مختلفة تناقض إحداهما الأخرى، وعلى الرغم من ذلك فإننا نشعر بتناغم عجيب مع ما يكتبه في هذا المضمار، وقد استطاع أن يوصلنا إلى أهمية اللحظة الحرجة التي تمثل ذروة العمل الإبداعي في السرد والتشكيل والموسيقى وسائر الفنون.. 
السؤال الأكثر أهمية بتقديري الشخصي في مناسبة مثل هذه، سيكون عن اللغة الفائقة في تجربته، اللغة المفكرة التي تفيض بالثراء ولا تشحب أو يضعف نسيجُها أبدا، اللغة وقدرتها في أن تكون هي ذاتها لا أن تكون خليطا من لغات مجاورة – متناظرة أو مستنسخة ومتشابهة حد التنافر-، هذه المعضلة عبرها مشروع محمد خضير بطريقة ذكية من خلال سرد ماهر ورؤية دقيقة وناضجة..
لا أريد لهذه المقالة أن تنشغل بمديحٍ يستحقه مؤلف المملكة السوداء وبصرياثا بجدارة. إنما تريد هذه السطور على وجه الدقة أن تسهم – ولو بالنزر اليسير- في صنع فوتوغراف بالأسود والأبيض لمحمد خضير، فوتوغراف يوحي بالأصالة بدءا، ثم يتدرّج في صعوده درجات الظل والضوء وكأنهما مناسيب السرد والحياة وقد تعالقا بحميمية منقطعة النظير في تجربته سردا ونثرا. 
تختلف لغته كثيراً، فتصنع لنفسها نوعاً من المقاربة الحقيقية مع المعارف والحكايات الأسطورية والفلسفات وسحر الجغرافيا وفخاخ التاريخ، ثم مما يسطع في حياتنا وهو من المهمل الكبير الذي لايلتفت إليه أحد.. فوتوغراف محمد خضير هو لغته التي تلتقط كل شيء فتجعله طيّعا لممكنات السرد، ومن ثم فإنَّه يلتفت لذلك المهمل بقوة التأثير الثقافي الذي تصنعه المعرفة.. أقول بلغته التي تشف عن مكنونات بسيطة ومعقدة في آن، لغته وقد خاضت في السحر كله. 
إنَّ قارئ محمد خضير بعد هذه الرحلة الباهرة، سيدهشه كثيرا سعيه الدؤوب نحو التنظير عن رؤيته لسرده، لا يعمد خضير إلى التنظير عن تجارب الآخرين كثيرا، إنما يسهب في تفسير وتأويل طريقته وأسلوبه، وما أقوله هنا قريبٌ من تلك الرؤية التي تحدث عنها ذات نهار (سعد محمد رحيم القاص والروائي العراقي رحمه الله)، والذي يعترف على الدوام بأنه تعلّم من محمد خضير زهده واهتمامه بأدق تفاصيل سردياته ومشروعه الشخصي في الكتابة.. ثمانين محمد خضير هي الفوتوغراف الكبير الذي يشي بلمعان التجربة وبريقها الشاسع.