ميرفت الخزاعي

ثقافة 2022/05/15
...

أنا ميرفت الخزاعي حاصلة على دبلوم حاسبات من أقصى جنوب العراق (البصرة) حيث الشمس تصقل الأرواح والنفوس وليس الحروف وحسب..
دلّتني معلّمة اللغة العربيّة الست سامية في إعدادية المعقل للبنات على مفتاح حكايتي، حين سألتني عن معنى اسمي 
«ميرفت” فأجبتها أن والدي (رحمه الله) كان من عشاق الفن، وربما دعاني تيمناً بإحدى الممثلات المعروفات، وحينها قالت إن معناه هو “حجرُ الصوان أو الحجر الصلد”.. ونصحتني “خذي من الحجر صلابته وشدته واتركي صمته”، ومنذُ ذلك اليوم وقلمي يغازلُ الورق أو يحاربه أو يعقد معه هدنة.  
ينعتُني أساتذتي وزملائي وأصدقائي في عالم الأدب بـ (فراشة السرد)، ربما لكوني أتنقلُ برشاقة بين بساتينهِ وحقوله وأداعبُ بقلمي أزهارهُ الفواحة. ورغم كون الفراشات مخلوقات خفيفةُ المؤونة لا تكلفُ سوى قطيراتُ الندى والرحيق لكن يمكنها إحداثُ أثرٍ قد يمتدُّ لآلافِ الكيلومترات.. فللحرفِ قوةٌ وجاذبية وهو سلاحٌ فعَّال وصديقٌ وطاقة لا يحدُّها بحرٌ أو جبل ولا تسعُها أرضٌ أو تكتنفها سماء..
يثير الفضول البعض فيحاول معرفة عمري لكنني اعترف بأن لا عمرَ محددا لي.. فما الحياةُ إلا ما نعيشها من لحظاتٍ فعلاً.
أعشقُ القراءة وأجاور الأطفال وأهوى التعليم لذا أعمل كمعلمة كلما سنحت لي فرصة لذلك.  
قصص الأطفال كانت محطتي الأولى والمجلات والجرائد اليوميَّة، فوالدي كان حريصاً على اقتنائها وتجميعها وحفظها وحتما ورثتُ هذا الشيء عنه.. ثم روايات عالمية كالحرب والسلام والعَرَّاب وذهبَ مع الريح وسلسلة روايات روكامبول.
بدأتُ بالشعر وأول قصيدة ألقيتها في ساحة المدرسة بعنوان (لوحة بصرية) عام 1988. 
ربما أولُ حبٍّ كان لابن الجيران الذي سقطَ مضرجاً بدمه بعد أن ناله ابن عمٍّ لي بحجرِ كاد أن يقتلع إحدى عينيه من شدة الغيرة.. لم تهدني الدنيا ملاعقَ فضية ولا قوالب ذهب أو أكياسٍ من المال، لكن القدر أتحفني بعودٍ من الخشب، رأسه حاد كنصل السيف.. كم مرةٍ سقطت تحت سطوته وغرَّني بريقه وتلاعبت بروحي حروفه لكنه لم يخنّي أبداً.   
اهتزت الأرض تحت قدمي وفقدتُ السيطرة حين رحل والدي فقد كان عطوفاً، حنوناً، بسيطاً و(مدللنا) دعوني أتحدث بلهجة عراقية خالصة بعيدة عن التزويق اللفظي والزخارف.    
أهيمُ في حب الطبيعة، أرضى من الطعام بأقله وأبسطه، قنوعة من كل الملذات إلا من الحب فنهمة.. ما أكثر المحطات التي حاولت أن توقفني في الحياة، وجاهدت لتحويل مساري وتبديله حتى ناضلتُ من أجل أن ترى النور حروفي. 
كان الرفضُ والسخرية وأحيانا التهديد والمنع والمضايقات الاجتماعية ومن المحيط تحديداً أقساها وأمرها.  
وحينها كان لا بد من المقاومة ومواصلة التحدي سراً (الاختباء خلف شخصيةٍ مستعارة في مواقع التواصل الاجتماعي) وحضور الجلسات الأدبية والمشاركة بزيٍّ مستعار..
أؤمن بأن الجنة مكانها وموقعها هنا على الأرض.. والإنسان هو القادر على إعمارها أو تدميرها.. أكره الظلم والكذب وأن يتمَّ استغلالي، ولا أخافُ من شيء سوى من الخالق.. كدتُ أموت مراراً من أجل
حرف.