أتلك سمكة في أذنك؟

ثقافة 2022/05/15
...

 ديفيد بيلوس
 ترجمة: أمجد نجم الزيدي
 
 انتشرت في كليتي، عندما كنت طالباً، قصة مفادها أن زميلاً لنا اسمه هاريس رفض تدريس حصص الترجمة، بذريعة أنه لا يعرف ما هي «الترجمة translation”. فقد تحدى مجلس الكلية، وما أبلغوه بتدريسه، يعلم الجميع ما الذي سيقال! فقد دُرست الترجمة هنا لقرون عديدة. لكن معرفة كيفية ترسيخ تقليد أكاديمي يختلف عن معرفة ماذا تفعل به. فمن غير الممكن لهاريس أن يدرس موضوعاً كان أساتذته غير قادرين على تعريفه.
 اعتقدنا أنها مزحة كبيرة: أن محاضراً مبتدئاً قد استخدم معضلة فلسفية ليتنصّل عن العمل الروتيني، ويعقد الأمور. فبغض النظر عن أحجية هاريس المحيّرة، قد تجرّأت في بداية شبابي على تدريس الترجمة لعدة عقود، وترجمت أيضاً كتبا عدة، وأصبحت مديراً لبرنامج الترجمة والتواصل بين الثقافات، لذا فالوقت مناسب لأحاول الاجابة عن سؤاله.
 بيدَ أن الإجابات تظهر بصورة أفضل إن تم طرح السؤال نفسه بصورة جيدة، فالسؤال “ما هي...؟” لا يعطيك بالعادة حافزاً كبيراً، فهو يدفعك غالباً إلى خلافات جداليَّة متعلّقة بمعاني الكلمات.
 لقد خصصتُ فصلاً من هذا الكتاب لمعنى كلمة الترجمة، إذ بالتأكيد لا يخلو معناها من فائدة، لكنه ليس مهماً بقدر أسئلة عديدة أخرى تطرح بالطريقة نفسها، بغض النظر عن الكلمة التي نستخدمها.
وهذه بعض من تلك الأسئلة: ما الذي من الممكن أن نتعلّمه من الترجمة؟ وماذا ستعلّمنا؟ ومن ثمَّ تتبادر إلى الذهن العديد من الأسئلة الأخرى، ما الذي نعرفه حقاً عن الترجمة؟ وما هو الشيء الذي نبقى بحاجة لاكتشافه عنها؟
 وعلينا أن نسأل أيضاً: ما الذي يعنونه بالآراء والقواعد التي توضع لأفضل طريقة للترجمة؟ فهل كل الترجمات متماثلة، إذ إن هناك عمليات مختلفة تنطوي عليها أنواع أخرى من الترجمة؟، فهل تختلف الترجمة اختلافاً جذرياً عن الكتابة والكلام، أم أنّها مجرد مظهر آخر من مظاهر السر الغامض لكيفيّة معرفتنا لما يقصده شخص آخر؟ لا يخبرك هذا الكتاب كيف تترجم، أو كيف قمت أنا بالترجمة، هناك العديد من الكتب الجيدة لهذه الأنواع، فليس هناك من داعٍ لإضافة ذرة صغيرة لهذه الكومة.
 عوضا عن ذلك، فهو متكون من قصص وأمثلة ونقاشات تدور حول ما يبدو لي أنه القضية الحقيقية، وهي فهم ما تقوم به الترجمة. فقد حاولت أن أرسم صورة كبيرة من خلال استكشاف دور الترجمة في القضايا الثقافية والاجتماعية المتنوعة. ولأقوم بذلك فقد استعنت بكتب ومقالات علمية، واستفدت من الكثير من الأصدقاء الذين لديهم خبرة بهذا الموضوع، ولكني وفي العديد من مواضع الكتاب قد استندت الى خبرتي الشخصية.
ونظرا لنشأتي في انكلترا وسكني في الولايات المتحدة؛ فإنَّ وجهة نظر الكتاب متمركزة بصورة كاملة في العالم الناطق بالإنجليزية. ولأنّها حالياً هي اللغة البينية (interlanguage) المهيمنة في العالم، لذا فإنَّ دافعي الرئيسي للكتابة عن الترجمة هو أن المتحدثين باللغة الانجليزية، غير المشاركين بالترجمة، يواجهون صعوبة أكبر من الآخرين في فهم ماهيتها.
   وقد تأخذنا التساؤلات الى معرفة ما فعلته الترجمة في الماضي وما تفعله اليوم، وما قاله الناس عنها ولماذا، وسواء كانت شيئاً واحداً أو أكثر، صوب أماكن بعيدة، صوب سومر، وبروكسل، وبكين، وصوب الكتب المصورة، والأدب الكلاسيكي، وإلى حواف التخصصات المتنوعة كالأنثروبولوجيا، وعلم اللغة، وعلوم الكومبيوتر، لذا فما تفعله الترجمة يثير الكثير من الأسئلة التي من الممكن الاجابة عنها، بحيث يمكننا ترك العمل على ماهيتها جانباً لبعض الوقت.
* تمهيد كتاب أتلك سمكة في أذنك؟ الترجمة ومعنى كل شيء - ديفيد بيلوس.