ميادة سفر
لم يكن شغفي بالقراءة والكتاب وليد المصادفة أو أمراً طارئاً، ولا هو بالطبع "برستيجاً" أمارسه أمام الأصدقاء والمعارف، بل هو حب غرس فيَّ وفي عقلي منذ الطفولة، وأنا أنظر اليوم إلى مكتبتي التي تكبر يوماً بعد آخر، تعود ذاكرتي إلى تلك الأيام البعيدة من طفولة كنت أقضيها في تلك القرية الجميلة المنسية إلى حد ما في جبال مدينة طرطوس، يوم قدم لنا والدي أنا وأخوتي كتباً لنقرأها أثناء العطلة الصيفية، وكان نصيبي مجموعة قصصية للأطفال بحكم سني في ذلك الوقت، بينما حصلت كل واحدة من أخواتي على رواية، لا أخفيكم أنني حينها شعرت بالغيرة لأن مجموعتي أصغر حجماً من رواياتهم، وباءت كل محاولاتي لقراءة تلك الروايات بالفشل حينها، لتكون تلك الحادثة تاريخاً مفصلياً في حياتي كما أراه اليوم، ومنها تشكلت ما يمكنني تسميته "
هويتي الفكرية".
كانت تلك بداية الشغف الذي لم يخبُ حتى هذه اللحظة، وبدأت رحلتي مع الكتاب من خلال استعارة كتب من مكتبة المدرسة بشكل لفت يومذاك انتباه المسؤول عنها، ظناً منه أنني لا أقرأها نظراً لسرعتي في استبدالها بأخرى، لكنه وبعد أن بدأت أحكي له مضامين الكتب التي أستعيرها، وعلم اجتهادي في مدرستي، فتحت أمامي الأبواب لقراءة كل ما أرغب به، ومع الوقت بدأت أشتري كتبي الخاصة لتأسيس مكتبتي الخاصة، ذاك الحلم الذي لطالما داعب مخيلتي وسعيت إليه بكل ما أستطيع من إمكانيات مادية ومعنوية، لاحقت الصحف والمجلات لأطلّع على الإصدارات الجديدة، أمضيت ساعات على الأرصفة التي تضم كتباً قديمة لكنها قيّمة لأقتني منها ما يروي عطشي للمعرفة ويغني عقلي الذي ينضج أكثر مع كل كتاب
أقرأه.
اليوم تضم مكتبتي مئات الكتب المتنوعة التي حرصت على اقتنائها وقراءتها، فلم تستهويني يوماً قراءة كتاب إلكتروني، ربما ما زلت من القراء التقليديين الذين تسكرهم رائحة الورق وينتشون بملامسة أوراق كتاب واحتضانه وتسطير بعض الملاحظات على هوامشه، ولطالما آمنت بمقولة الكاتب الأرجنتيني بورخيس الذي تصور الجنة على شكل مكتبة، وهو ما أشعر به وأنا أجلس محاطة بالكتب التي كانت حلمي ويتحقق.