سيمون ويل.. فيلسوفة الألم والضيق والتدهور الاجتماعي

ثقافة 2022/05/17
...

  عدوية الهلالي 
ولدت سيمون ويل في باريس عام 1909 وتوفيت في أشفورد عام 1943، وهي فيلسوفة ومتصوفة وناشطة سياسية فرنسية.. تعد سيمون ويل من أهم فلاسفة القرن العشرين وهي أخت عالم الرياضيات اندريه ويل، ومع أنها لم تعش سوى 34 عاماً فقد كانت غزيرة الإنتاج وتجاوزت مؤلفاتها العشرين. عدها الكاتب والروائي الفرنسي ألبير كامو أكبر عقل في عصرها. كما عدها الكاتب والصحفي البريطاني توماس مالكوم مادجيريدج العقل الأكثر إشراقاً في القرن العشرين. بلغ تأثيرها حداً جعل ألبير كامو نفسه يرى أنه من المستحيل تصور أية مكانة لأوروبا في المستقبل ما لم تأخذ أوروبا بالحسبان المتطلبات التي حددتها سيمون ويل.
بعد اتمامها دراستها، عملت ويل في التعليم بشكل متقطع خلال ثلاثينيات القرن العشرين، وأخذت إجازات عديدة بسبب صحتها السيئة ولأنّها كرّست نفسها للعمل في النشاط السياسي وهو عمل من شأنه أن يساعدها في حركة النقابة العمالية، إذ وقفت في صف اللاسلطويين المعروفين باسم عمود دوروتي في الحرب الأهلية الإسبانية، وأمضت أكثر من عام تعمل كعاملة في مصانع السيارات لتتمكن من فهم الطبقة العاملة بشكل أفضل.
لقد سلكت ويل طريقاً غير مألوف بالنسبة إلى المثقفين اليساريين في القرن العشرين، وأصبحت أكثر تديناً وميلاً إلى الروحانيَّة مع تقدمها في السن. كتبت ويل العديد من المؤلفات خلال حياتها، رغم أن معظم كتاباتها لم تلفت الانتباه إلا بعد وفاتها. وفي خمسينيات وستينيات القرن العشرين، أصبحت أعمالها مشهورة في أوروبا القارية وفي البلدان الناطقة باللغة الإنجليزية. وظل فكرها موضوع دراسات مكثفة في مجالات عديدة. وقد وجدت دراسة لاحقة من جامعة كالغاري أنه بين عامي 1995 و 2012 تم نشر أكثر من 2500 عمل علمي جديد عنها. 
وتمس فلسفة سيمون ويل القلوب وتحرك العقول إذ تُعرّف ويل سوء الحظ بأنه مزيج من ثلاثة عناصر: الألم والضيق والتدهور الاجتماعي. وإذا أخذنا هذه التجارب بشكل منفصل، فإنها تبني الشخصية. وتصبح معًا «اقتلاعًا للحياة، ومكافئًا إلى حد ما للموت».
وتنحدر ويل من أسرة من العلماء (فوالدها طبيب وشقيقها أندريه عالم رياضيات عظيم)، لذا تلقي نظرة علمية على الطبيعة وترى أن اللغز العظيم في حياة الإنسان ليس المعاناة، بل التعاسة كما أن أكبر ألم في حياة الإنسان هو النظر الى الرذائل والفساد والجرائم وهي تحاول التهام الجمال. 
وفي عام 1941، تم تعيين سيمون ويل في مصنع. 
وألهمتها هذه التجربة لكتابة نص رائع عن الحالة الإنسانية وعن تعاسة العمال وهم يشعرون أن أجسادهم ووقتهم تحت تصرف الآخرين، وعندما يغادرون المصنع في المساء، يمكننا أن نرى عدم وجود هدف في عيونهم.. وبعد تلك التجربة، لم يعد العالم جميلاً في عينيها، خاصة عندما ذهبت أسرتها إلى المنفى في أميركا هربًا من
النازية. 
وبعد ستة أيام، وصلت إلى لندن على متن قارب على أمل محاربة الشر الذي يقضي على الحرب في أوروبا لكنها توفيت من الإرهاق في عام 1943 عن عمر يناهز 34 عامًا، بعد أن طغت عليها مصائب الآخرين. إذ يمكننا أن نفترض أن الفيلسوفة عانت مما يسمى بالتعاطف المفرط، وهو مرض يجعل من المستحيل التمييز بين معاناة الآخرين ومعاناتها. وسيتذكر التاريخ أنّها كانت فيلسوفة ملتزمة اجتماعياً قبل أن تصبح صوفية مسيحية في نهاية حياتها فلم تكن قادرة على التفكير معًا في مصائب الإنسان وكمال الله والعلاقة بين الاثنين.  
قادتها رغبتها المستمرة في الحقيقة والعدالة إلى كل من أكاديميات النخبة والمصانع، والعمل السياسي والعزلة الروحية. 
وكانت في أوقات مختلفة ناشطة ومسالمة ومناضلة وصوفية ومنفية؛ لكنها بقيت فيلسوفة طوال فترة بحثها عن الحقيقة والتوجه نحو الخير. وتتميز أعمالها بتناقض متعمّد لكنها تُظهر وضوحًا ملحوظًا. فهي متمحورة حول قيمة كبرى ومتكاملة ولكنها ليست منهجية. وتحتوي هذه الأعمال على ملاحظات متناثرة عن ترجماتها وتعليقاتها على العديد من النصوص اليونانية القديمة، وصيغ الهندسة ونظريات فيثاغورس، مع حسابات مفصلة عن مهامها اليومية داخل المصنع؛ لكن أعمالها تتكون أيضًا من خطابات لقادة سياسيين وصناعيين ودينيين فضلاً عن مقطوعات مخصصة لطلاب الجامعات والنشطاء الراديكاليين والعاملين في الصناعة وعمال المزارع. وبعد التطور الفلسفي لسيمون ويل، يتم تناول مفاهيمها المركزية تحت خمس فئات: الفلسفة الاجتماعية السياسية، ونظرية المعرفة، والأخلاق، والفلسفة الميتافيزيقية والدينية، وعلم الجمال..
أثنى عليها أندريه جيد باعتبارها «القديسة الراعية لجميع الغرباء». وصف جورجيو أغامبين ضميرها بأنه «الأكثر وضوحًا في عصرنا»، وادعت هانا أرندت أنه ربما كانت ويل هي الوحيدة التي تعاملت مع موضوع العمل «من دون تحيز وعاطفة». كما وصف موريس بلانشو ويل بأنّها «شخصية استثنائية» تقدم «مثالاً على اليقين» في العالم الحديث، وكتبت إيريس مردوخ عن «حياة منضبطة بعمق وراء كتاباتها، لكن ليون تروتسكي انتقد ويل أيضًا باعتبارها «ثورية حزينة»، وتجاهلها شارل ديغول باعتبارها «مجنونة». ومع ذلك، فإن هذه الملاحظات تكشف عن مفارقة كانت ويل تدركها جيدًا اذ كانت تشعر بقلق عميق حيال قرب نهاية حياتها. وبالفعل فقد توفيت في عمر مبكر مخلفة وراءها العديد من الأعمال الفلسفية الملهمة.