ضرغام عباس

ثقافة 2022/05/21
...

أنا ضرغام عباس ولدتُ في السنة السابعة للحصار في أول يومٍ من السنة 1997.1.1، ولدتُ في محافظة الديوانية بنت الفرات المنسيَّة.. لم أولد وفي فمي ملعقة من الذهب، كان الحرمان رافدًا وشكل أبجديتي الأولى، درست في مدارس الديوانية حتى وصلت إلى آخر مراحل الدراسة الإعدادية التي كانت عقبة لم أستطع تجاوزها، لكن هذا لم يكسر حلمي بالشعر..
كانت الدواوين الشعرية تزاحم مقررات الدراسة، ربما أهملت واجبي المدرسي لأقرأ ديوانًا بطبعة غير أصلية.. لم أكن منحازًا لنسقٍ من دون آخر، أرى الجمال شاسعا كالحياة، كالهواء، كالفاجعة. 
كنتُ اقرأ التراث العربي والأدب المترجم بالشغف ذاته، وأول محطة أخذتني إلى عوالم الأدب هي (رواية «سيدهارتا» لهيرمان هيسه)، وكان أول نصوصي المنشور نص (تذاكر الدم).. وآخر ما قرأت كتاب (النشيد الشامل) لبابلو نيرودا.  
وكأي مراهق صدمني الجمال ليجعل من قصبي نايًا.. كان السؤال الجماليّ عن الحب وماهيته.. هو سؤاليّ الوجودي الأول. 
متسائلًا لِمَ لا يكون الحب كالضوء، كالخبز متاحًا.. لمَ تغلق أبوابنا بوجهي كما يفعل الأثرياء بسائلٍ عابر، وكان للحب الأول أثر بالغ في بحثي عن معنىً للحياة.. ولو كان المعنى مجازًا محضًا لا وجود لهُ في عالم المادة. 
أقسى فقد أن أفتش عني فلا أجدني ولا أستطيع لملمة شظايايّ، أن أسير دوني باحثًا عن أنايّ في العيون من دون أن أجدني. الشعر هو الفرح الحقيقي، أكثر ما أفرحني الشعر أن أكون أبًا لنصي وولدًا له، عشت هذا حين أنجزت كتاب الشعر الأول (لن أنمو حجرًا).. 
أكره الصخب وأميل الى الهدوء أنا كائن ليلي.. أميل إلى العتمة، لان العتمة تسكت الناس ليكفوا عن ضجيجهم وتمكْيج المدن الدميمة لتبدو أحلى. أنا لست بحاجة إلى تخيل الجنة ما دامت الحياة على قيد أمي. 
لست صديقا للأماكن المرتفعة لعل هذا رهابًا أصبت بهِ، أو لارتباط العلو بالموت. وأميل إلى الوضوح تطربني النصوص الغامضة.. لكني أمقت الأشخاص الغامضين.. أنا مدجج بعفوية الأطفال لا يغويني التقمّص ولا أحبّه؛ لذا تشكّل نبرتي وملامح وجهي مرآة قلبي.. لِمَ لا أعيش من أجل فكرة، ما قيمة الفكرة حين نموت.. نحن الشرق أوسطيون معتلون بتمجيد الموت، ما جدوى أن يقال مات حتفه فكرته وأنا في ضفة الوجود الأخرى لا أرى الشمس ولا استمتع بالعتمة ولا أصغي لهديل صوت أمي.. سلكت طريق الشعر بعد عديد من المحاولات الإنشائية والخواطرية عام 2015.. لم أكن أكف عن المحاولة، كان الشعر قمرًا أحلم أن أُسافر إليه، مجرة أخرى يغويني أن اكتشفها.. صدر لي ديوان بعنوان (لن أنمو حجرًا).. أنا أعيش في الكتابة ما يعيشه الإنسان الأول من محاولة اكتشاف الأشياء والظواهر وإعادة تشكيل العالم «على قدر حلمك تتسع الأرض».