رأي المؤلف

ثقافة 2022/05/21
...

نزار عبد الستار
نسبة كبيرة من الكتَّاب لا يجيدون تقنيَّة الحوار في الرواية والقصَّة ويقعون في فخاخٍ عدة أكثرها جسامة تضمين آراء الكاتب الشخصيَّة، وأقلها خللاً الإطالة وعدم معرفة المكان الذي على السرد أنْ يتدخلَ فيه. وإذا كان البعض لا يفرِّق بين صوت الراوي العليم واندفاعات المؤلف الحماسيَّة، فإنَّ العيب الفني في جلِّه المستتر يقع في هذين المجالين.
الكثيرون عراقياً وعربياً تغويهم الرواية لأنهم يجدون فيها فرصة للتنفيس عن إيديولوجياتهم المتعددة سواء على مستوى الإيمان الديني أو العقيدة السياسيَّة وهم يتوجهون إلى الحوارات ويكثرون منها داخل مبنى النص وكل ظنهم أنهم أبدعوا عملاً أدبياً.
الدوس هكسلي الإنكليزي واحدٌ من أشهر الذين جعلوا الأدب السردي منصَّة للخطابات فهو مهتمٌ بالفلسفة والباراسايكولوجي ويملك عدائيَّة رنانة للحروب، إلا أنَّ الفرق بين هذا الرجل صاحب الرواية الشهيرة العالم الطريف، وبين هواة كتابة الرواية عندنا هو الاعتناء بأصول الفن، وتحقيق الرؤية من خلال موضوعة العمل.
إنَّ مشكلة الرأي الشخصي للمؤلف هي من أشد عيوب الرواية العربيَّة عبر 100 سنة ماضية وما يؤشر لهذا الموضوع هو الاستسهال في الكتابة بضمير المتكلم، فدائماً ما توجد مواضع يمكن فيها التعبير عن الرأي الشخصي للمؤلف في الحب والسياسة والاجتماع والجنوح نحو الوعظ ومواكبة أفكار الناس الشعبيَّة عن الثواب والعقاب. 
كثيرون لديهم طبيعة جدليَّة أو روحٌ بصريَّة، ومنهم هنري مللر سومرست موم، فالأخير كان من أكثر الكتاب انتشاراً ويحب السفر ويكتب عن عوالم أنيقة محبوبة للناس ولكنه كان مثل هنري مللر أميناً لقضيَّة التكنيك.
أحياناً لا يجد الكاتب الثرثار ضالته في الحوارات المطوَّلة المملة واستعراضات المشاهد التي تجمعُ بين مثقفين في مقهى أو على مصطبة في جامعة، وإنما يوغل بتدمير الفن في الوصف الممل، منقاداً بذلك لنزعته الإنسانيَّة وكسباً للتعاطف، أو لتوجهات يراها تعبّر عنه بينما هي خللٌ في فهم دور الفن.
التماسك الفني في أي نصٍ ينبعُ من التحكم والموضوعيَّة والتوازن الفكري والوعي الكامل بالحياة، فالفن حتى يكون مؤثراً لا بُدَّ أنْ تتوفرَ فيه موضوعيَّة الفكرة جوهراً ويقيناً، فتشارلز ديكنز عندما كتب اوليفر تويست لم يكن هدفه دفعنا إلى البكاء والتأثر، وإنما التنبيه لعمالة الأطفال، ولحل مشكلة إنكلترا مع المهاجرين.