دعد ديب

ثقافة 2022/05/24
...

أنا دعد ديب كاتبة وناقدة من سوريا ومن مدينة حمص ولطالما كانت مدينة الضحك والفكاهة ومدينة الظرف والظرفاء، السنوات العشر الماضية كانت من أقسى ما مر عليَّ في حياتي ومن أصعب ما عشت وأنا أرى نزيف الدم السوري يهدر علنًا ودمار المدن وطغيان صوت الرصاص على صوت العقل والعاطفة، وما تلا ذلك من خراب أصاب البشر والحجر، نتأمل ونعزي أنفسنا بالفينيق الذي سينهض من رماده.. لعل وعسى.
تخرجت من كلية الاقتصاد بجامعة دمشق وعلى الرغم أن هذا الفرع ذو أهمية علمية فائقة، فالاقتصاد عصب الكون إلا أن لغة الأرقام لم تكن لتملأ طموحي وشغفي وترضي نزوعي الذاتي، ومن هنا كان اهتمامي بالأدب بعيدًا عن نطاق الدراسة الأكاديمية نسغًا خفيًا لمتعة لا تحد وغذاءً لروحي القلقة وبوابة للطيران في فضاء الحلم، أنا التي راودتني رغبتي الدفينة منذ الطفولة أن أكون رائدة فضاء، ولأعوام كثيرة كانت صورة فالنتينا تيرشكوفا أول رائدة فضاء في العالم تتصدر جدار غرفتي كتعبير خفي لأمنية في اجتراح آفاق مجهولة، وقد كانت المطالعة أولًا بوابة لتحقيق هذا الحلم حيث يجوب المرء عبر القراءة بلدانًا وأمصارًا ويصعد جبالًا وينزل ودياناً ويحلق في سماوات لا متناهية، ويختبر تجارب وأحاسيس يعجب من قدرة مدونيها على التقاط غوامض تمر معنا نحسها ولا نستطيع التعبير عنها، الأمر الذي أودى بي لمحاولة وتجريب الكتابة لأنتقل لمرحلة تالية، حيث أن ميولي لرؤية الأفكار والأمور بعين الآخر قادني لباب كتابة النقد من دراسة وتقييم ومراجعة مما يفتح المجال للقراءات المتعددة للأصل الواحد عبر تقديم قراءات نقدية للعديد من الأعمال الروائية إلى أن تشجعت وأصدرت روايتي الأولى “وتترنح الأرض” عام 2019 وبعدها كتاب نقدي تحت عنوان مقاربات في الأدب والرواية عام2021، وأنا حاليًا بصدد الانتهاء من كتاب نقدي آخر. 
كان لرواية الساعة الخامسة والعشرون للروماني كونستانتين جيورجيو الأثر الكبير في نفسي -مع العلم بأني قرأتها بوقت مبكر جدًا- لجهة الانحياز للإنسان المظلوم أينما وجد، والانتصار للعدالة في أي مكان ومن خلالها لاحظت كيف يهذب الأدب الوجدان والذائقة البشرية. 
السؤال الصعب والمحرج سؤال العمر، وبالمناسبة السؤال فسحة للتأمل هل عشت حقًا ليحسب عليك هذا الزمن، وهل كل حياة.. حياة، للأسف أغلبنا يبدد أيامه وعمره طويلًا من دون أن يحدد أولويات حياته ومن دون أن يعرف ما يسعده ويرضيه حقيقة والمشكلة أنه ليس بالعمر متسع ليجرب كل شيء ويقدّر بعدها أن يقرر ويختار، لذلك ربما نتفق على فكرة اللحظات المضيئة في حياتنا أو الزمن المليء المشحون بالمعنى، أو بحب؛ أو معرفة؛ أو اكتساب خبرة؛ لذا بهذا المفهوم لاحتساب العمر أظنني لم أغادر المراهقة بعد. 
ربما يكون الحب أكبر محطات الحياة زخمًا وتوترًا وسعادة، وأنا اعترف أن ما عشته في العشرينات من عمري هو التوهّج الأهم في حياتي وهو الكسب من الحياة بغض النظر عما يأتي بعده، وهنا يحضرني أن أستذكر آخر عبارة في رواية أريك سيغال (قصة حب) “الحب هو ألا يكون لنا أن نقول أبدًا أننا آسفون” لأنه يكفينا ذلك الإحساس الذي يرفعنا للسماء السابعة وينزلنا إلى أرض من أثير في لحظة واحدة بتكثيف عجيب لتموجات النفس العميقة التي لا نعيشها إلا في حالة التوتر القصوى”.
أنا وإن كنت لا يطربني كثيراً الإطراء والمديح، ولكن تيمنًا بالأعمال الأدبية التي تتصل بالحياة المتدفقة والتي تبقي نهاياتها مفتوحة كدائرة غير مكتملة تاركة أثرها في ذهن قارئها باتفاق سري مضمر لإضافة رؤيا مختلفة، أرى أن الحياة مازالت تخبئ لي شيئًا في دروبها المتشعّبة أمشي باتجاهه بعين بصيرة، وهذا التوق قائم ومستمر مازالت الحياة.