دليل الكتابة: طرائق.. طقوس وإشارات

ثقافة 2022/05/27
...

 علي محمود خضيّر
لطالما كانت أسئلة من قبيل: كيف تكتب؟ ماهي طقوسك؟ أريد الكتابة مثلك؟ ما سرّك؟ أسئلة مثيرة تجتذبُ القارئ والكاتب على السواء، ويقبل عليها بحواسه وعقله طلباً للمتعة أو التعلم. لكل كاتب سبيله الخاص في اقتناص كلماته، في ابتكار الفكرة وتطوير الحبكة، وهندسة اللغة. ولكن، هل يكشف الكاتب عن أسرار مختبره للعامة؟ معلوم حرص الكتاب على تأمين مصادر ابداعهم، وتمويه سماته. 
إن دخول مختبر كاتب نظرياً يشبه زيارة خياليّة إلى عقله. 
يحرص الكتّاب على جعل هذه الزيارة مستحيلة. 
لكن الصحافة واللقاءات المباشرة والندوات التي يُدعى لها دائماً مشاهير الأدب سرعان ما تبدد كتمان الكاتب وتضطره إلى فتح حصّالته وتفريق كلمتها السرّيّة. 
كما أن قارئاً استثنائياً يمكنه (اختراق) حصانة مختبرات الكتابة بقوة الدربة واعتبارية الحدس.
ولا تنفك الدوريات، أو المجلات والمنصات الإلكترونية الأجنبية المختصة في الكتابة عن إغناء جمهورها بتقارير تجمع فيها خلاصات من تجارب الكتّاب الناجحين، أدبياً أو جماهيرياً، تصريحاتهم أو قطعاً من إفادات وإضاءات أدلوا بها في مناسبات مختلفة عن خبراتهم في تأليف الكتب. 
فمواد مثل تلك سرعان ما تجدها في قائمة “الأكثر قراءة”. 
وصفة سريعة تناسب سرعة زماننا. 
لكنَّ بإمكانِ المرءِ أن يعثُرَ، بين زحام الإفادات، على ما يلتمعُ فيناديه بوقار الحكمة المصفاة بواقع التجربة الذاتية.
بين يدينا هنا مجموعة من خلاصات الكُتّاب: أسرارهم، طقوسهم وتصوّراتهم في الطريق إلى الكتابة. 
تجتمع هنا مثل مهرجان افتراضي تتداخل فيه الأزمنة وتتقاطع خلالَهُ الأمزجة واللافتات. تطل الخبرة بقميص الظرافة، ويرتدي التنظيم ملفع المرح!
*
كرس نفسك لشخص أكبر!
“إذا طُلِب مني اليوم تقديم مشورة لكاتب شاب، لم يحدّد بعد الطريق التي يجب أن يسلكها، فسأحاول إقناعه بتكريس نفسه أولاً لعمل شخص آخر، يفوقه بأضعاف، تفسيره أو ترجمته، أو تحليله في مقالة طويلة أو كتاب! إن كنت مبتدئاً، فثمة أمان رحب في هذه التضحية! أكثر من الاستعجال بتقديم ابداعك.
لا شيء تصنعه من قلبك ويكون عبثاً”.
- ستيفان زفايغ، مؤلف “عالم الأمس”.
*
أستيقظُ مبكراً.
أقرأ، أقرأ، واقرأ!
“أستيقظُ حوالي الساعة 5 صباحاً. 
أتناول كوبين أو ثلاثة من القهوة. 
وأقرأ لمدة ساعتين. 
أقرأ خيالاً أدبياً عالي الجودة، وأقرأ ما يُفتتني لأجل التعلّم.
أقرأ الكتابة الملهمة أو الروحية لأشعر بشيء خاص في داخلي. 
أقرأ وأقرأ وأقرأ. 
وفي لحظة ما، تباغتني الرغبة بدفع الكتاب جانباً، والذهاب إلى الكومبيوتر وبدء الكتابة”.
-  جيمس ألتوشر، مؤلف كتاب اختر نفسك! ، واحد من “أفضل كتب الأعمال في كل العصور” بحسب صحيفة usa today.
*
حرر عشر مرات!
“لقد حررته مراراً وتكراراً، عدة مرات، على الأقل عشرة. 
أستمر في تحرير النص، حتى لا أستطيع التفكير في مزيد من التحسينات.
لا أستطيع الجزم بأنها عملية ناجحة كل مرة. حين تشعر بأن تحريرك لم يؤدِّ الغرض، فهذه إشارة بأن على التحرير أن يستمر، يجب أن 
تستمر”.
- تايلر كوين، أستاذ الاقتصاد، والكاتب في صحف نيويورك تايمز ووول ستريت جورنال ونيوزويك.
*
قم بالحركات الثلاث!
“يعتمد [تحريري] على ثلاث حركات. 
الأولى حين أكتب أفضل فصل يمكنني كتابته. 
تأتي الحركة الثانية لاحقاً بمجرد الانتهاء من الكتاب بأكمله (أو جزء كامل من الكتاب، يحتوي على الفصل). 
خلال هذه الحركة، أعود إلى الفصل على جهاز الكمبيوتر؛ أشذب وأشد الجمل. 
الحركة الأخيرة عندما أقرأ نسخة مطبوعة من الفصل على الورق. 
القراءة على الورق ضرورية لتجتاز الإنشاءات الغريبة أو الأخطاء الطفيفة.»
- كال نيوبورت، مؤلف كتاب “العمل العميق”. الأكثر مبيعاً في صحيفة وول ستريت جورنال.
*
احصل على لوحة رسم عملاقة 
“أحتاج لتدوين الملاحظات أثناء انهماكي بالتأليف. 
أجهزة الآيباد كبيرة وثقيلة بالنسبة لي، لذا أستعمل الدفاتر. لكنني أملك خط يد عملاقاً يخدش الزجاج! وسينتهي بي الأمر دائماً إلى تدوين الأفكار على مدى ست صفحات ثم عدم النظر إليها مرة أخرى. ربما لدي خمسين دفتر ملاحظات غير مقروء تَقبَعُ في أدراج مكتبية، وكنت سأملأ بسهولة خمسين دفتر ملاحظات أخرى لو لم يتم تعريفي بالحل الأكثر أناقة من قبل صديقة، المؤلفة آشلي كارديف: لوحة رسم. لوحة رسم فنية مقاس 9 × 12 بوصة. 
لقد كان هذا اكتشافي العظيم. هي [شيءٌ] ظاهر لا يمكنك تجاهله، وهي كبيرة بما يكفي لتجميع العديد من الأفكار معاً في الصفحة نفسها. بالإضافة إلى ذلك، فإنها تعطيني عذراً لشراء أقلام (ماجيك) ميكانيكية فاخرة!»
- ليانا مايبي، مؤلفة كتاب South on Highland، الذي وصفه الممثل/ الكاتب BJ Novak  بأنه “نوع الكتاب الذي سيسرقه الأطفال من بعضهم البعض”.
*
كن جيداً إلى حدٍّ لا يستطيعون عندَهُ تجاهلك
«ما يريدون قوله هو، “إليك كيف تحصل على وكيل، إليك كيفية كتابة سيناريو” ... لكنني أقول دائماً: كن جيداً جداً إلى حَدٍّ لا يستطيعون عندَهُ تجاهلك”.
-  ستيف مارتن، مؤلف كتاب Born Standing Up: A Comic’s Life والممثل الحائز على جوائز عديدة.
*
قبل أن تكتب، بلور تفكيرك
“إذا كنت قد بدأت للتو، فلن أعتبر الصفحة فارغة أبداً”. لقد كنت أكتب في رأسي قبل وقت طويل من الجلوس إلى لوحة المفاتيح. في الواقع، أبدأ أحياناً عن غير قصد، من خلال وصف ما أفعله لشخص ما. غالباً ما تبلور المحادثة تفكيري بشكل أكثر فعالية من التفكير الانفرادي. عندما أضع الكلمات الأولى جانباً، أعلم أنه من المرجح أن تتغير، وهو ما أجده متحققاً- لا حاجة للحصول على الكلمات بشكل مثالي في المرة الأولى. لكنني أريد أن تحدد الجملة الأولى نغمة أو تشير إلى موضوع لهذا الفصل، لذلك يجب أن أبدأ بإحساس واضح بمعنى الأحداث التالية، وكيف أريد أن يشعر 
القارئ “.
- الفائز بجائزة بوليتزر تي جي ستايلز، مؤلف محاكمات كاستر: حياة على حدود أميركا الجديدة.
*
دعْ المسرحيّة تتراكم
“لا تبدأ في كتابة المسرحية على الفور، ولكن اِقْتَنِ دفتر ملاحظات صغيرا، وضع كل ما تفكر فيه حول مسرحيتك في ذلك الدفتر، تماماً كما تأتي الأفكار إليك دون سبب. دع المسرحية تتراكم، كما أسمّي الحالة؛ دعها تتسرب وتطبخ في عقلك؛ واكتب أي أفكار أو أجزاء من الحوار، أوصافاً أو كلماتٍ - أي شيء تعتقد أنك قد تكون قادراً على استخدامه. ستأتي إليك العديد من هذه الأشياء دون وعي أثناء المشي إلى المنزل من المدرسة، والاستحمام، وقص العشب؛ تأكد من إدخالها جميعاً في دفتر ملاحظاتك.»
- إي بي كونكلي، أستاذ فخري للدراما، تم إنتاج مسرحياته في برودواي.
*
في بعض الأحيان تحتاج غطاءً جيداً للأذنين!
“أنا هادئة للغاية. إذا كنتُ أكتب في المنزل، وكانت هناك أي ضوضاء، مثلاً، زوجي الرائع يتجول مصادفةً وينظف فمه، ارتدي فوراً غطاءً للأذنين (واقي السمع). لقد أعتدتُ عليها لدرجة أنني عندما أحتاج إلى التركيز، أرتديها حتى عندما لا تكون هناك أي ضوضاء. لقد صار ذلك يشبه إشارة لِعقلي - حسناً، ركزي! لدينا عمل ننجزه!
- باربرا أوكلي، مؤلفة كتاب “عقل للأرقام”.
*
اطرح هذه الأسئلة دائماً
«ماذا أحاول أن أقول؟ ما هي الكلمات التي ستعبر عنها؟ ما هي الصورة أو المصطلح الذي سيجعل الأمر أكثر وضوحاً؟ هل هذه الصورة جديدة بما يكفي لتترك تأثيراً؟” ثم اختتم هذين السؤالين الأخيرين: “هل يمكنني وضع ما أريد بشكل [أقرب] أكثر؟ هل كتبتُ شيئاً يمكنني تجنبه؟»
 - جورج أورويل.