أساطير الأنوثة في رواية القرن التاسع عشر

ثقافة 2022/06/01
...

 عدوية الهلالي
إذا كان أساس العلاقة بين الرجل والمرأة في الأدب هو الأسطورة، أي أن يكون الرجل هو الفارس والمرأة هي السيدة التي يكرّس حياته لها ويكون غزو قلبها هو هدفه الرئيس، فإن الانطباع السائد الذي ظهر من دراسة النساء في أعمال القرن التاسع عشر، هو أن الرواية قدمت المرأة في قوالبها الأصليّة الأكثر تقليدية كأم وزوجة وعشيقة وربة بيت في محاولة لجعل صورة المرأة مثاليّة في المجال الأدبي.. 
 
لكن تلك الصورة جعلت المرأة تتميز بالسلبيّة في الحياة الواقعيّة وفي الرواية وفقا للكاتبة سيمون دي بوفوار التي كانت ترى بأنَّ النساء لم يكن لها دور في المجتمع، فالمرأة متفرّجة لا تملك ولا تحكم، كما يتم اعتبار النساء في الحياة الاجتماعيَّة على أنَّها كائنات لا تأثير لها وهدفها الوحيد هو إرضاء السيد لإثبات تفوقه بشكل نهائي، إذ يستخدم الرجل الصورة السلبيَّة وأية صورة تخدم مصالح الذكر، ويجعل عالم الأنثى يبدو وكأنَّه عالم من سوء النية لا يخلو من الصفقات الكبيرة والكذب والغش والسلوكيات
الخاطئة.
إنَّ ما يميز أدب القرن التاسع عشر هو أن المرأة لا تكتشف نفسها بل يكتشفها القارئ فهي تتميز بالعجز عن الفهم وتتجول في الرواية غاضبة ويائسة وكأنها لغز لكنها لا تستطيع في الوقت ذاته إلقاء نظرة واضحة على العالم، كما هو الحال مع مدام ارنو والدة البطل وعشيقته مدام دي رينال في رواية (الأحمر والأسود) لستندال فهما عاجزتان وسلبيتان وحالمتان ولا يستطعن الاعتراف بمشاعرهن، أما في رواية (مدام بوفاري) لفلوبير فلا تستطيع البطلة (إيما) فعل أي شيء سوى الحلم إلى أجل غير
مسمى.
في ما يخص الحب فهو التعبير الذي منحته الأساطير الأدبية للعلاقة بين الرجل والمرأة، فالحب مزدهر في الأدب والثقافة، وهو أسمى حدث في مشهد الحياة وتمجده الأغاني والحكايات والأفلام، وبالنسبة للروايات فقد سيطر الحب عليها عبر القرون، فالحب يكسر الروتين اليومي، ويطرد الملل الذي يعده ستندال شرَّاً عميقاً للغاية لأنَّ الحب يخلق سبباً للعيش أو الموت، ويمنح العاشق هدفاً، وهذا يكفي لجعل كل يوم مغامرة، كما أنَّ المرأة تمثل الغاية الحقيقيّة للوجود الجميل لديه، وربما ينتزع الحب روحه بتأثير المرأة، وكرد فعل على سلوكها، أما سيمون دي بوفوار فترى أنَّ المرأة تتوقع الكثير من الحب، وترى فيه الحرية ويكون الرجل إلهاً في نظرها، لكنها تصاب غالباً بخيبة الأمل أمام نرجسيَّة الرجل التي تصل أحياناً إلى درجة الطغيان، فمصير المرأة يكون بيد حبيبها وإذا تخلى عنها فلا يبقى لديها شيء كما في رواية (أوجيني جرانديت) لانوريه دي بلزاك، إذ تبدأ اوجيني بالتغير مع بداية حبّها لابن عمها، لأن العاطفة قويَّة جداً في قلوب البطلات على عكس الرجال، فالمرأة تعيش هذه المشاعر بحماسة، وهو ما يجعل البطلات في رواية القرن التاسع عشر ساذجات ونقيات للغاية، لأنَّ البطلة الساذجة والتي ليست لديها خبرة تلازم منزلها دائماً لكي تعكس صورة أفضل للمرأة في القرن التاسع عشر في نظر الروائيين في تلك
الفترة.
وفي ما يخص صورة الأمومة، فهي الأسطورة الرئيسة التي تُمنح للمرأة سواء في الروايات أو في الحياة الاجتماعية، ترى سيمون دي بوفوار أن الأمومة ليست مهنة، بل هي مصير أي أنها حالة لا يمكن السيطرة عليها، أما "حب الأم فهو حب صعب للغاية، لأنه لا يمكن استبداله فبعض الأمهات مستبدات وممتلكات تجاه الطفل"، مشيرة إلى أن "الأمومة هي خليط غريب بين النرجسيَّة والإيثار والحلم والإخلاص وسوء النيَّة، والسخرية"، مع ذلك، تعد الأمومة أهم نشاط فهي رسالة أصعب ما فيها هو تربية الطفل، وقد ورد ذلك في رواية (التربية العاطفيَّة) ورواية (الأحمر والأسود)، وكذلك في رواية (أوجيني غرانديت) التي تتعامل فيها البطلة مع حبيبها وكأنَّها أمه.
وبالنسبة للزواج فهو عقد بين الزوجين يفرض على الزوجة واجبات معينة فعليها أن تكرم زوجها وتخدمه، حتى لو كان خائناً، لذا تظهر الزوجة في رواية القرن التاسع عشر سلبيَّة ويصبح الزواج بالنسبة للأنثى مجرد قدر يتسم غالباً بغياب الحب متحولاً إلى مجرد حقوق وواجبات منزليَّة، فالمرأة تتخلى عن حريتها بوضع نفسها تحت حماية الرجل، لكن برجوازيَّة القرن التاسع عشر أثبتت أيضا أنَّ الحب والزواج ليسا كذلك، وعملت من ثم على اختراع صيغة "الحب الزوجي".
وفي روايات ذلك القرن، يتم تصوير النساء عمومًا كبطلات متزوجات وفي الوقت نفسه غير 
سعيدات. 
ففي الحب، تبرز الفائدة أيضا فيتزوج البطل ابنة التاجر الثري، ولا يكون الحب الزوجي حبًا حقيقيًا لأنه يدعو أبطالًا أو بطلات للقمع
 والكذب. 
وفي هذه الحالة فإنَّ البطلة التي لا تجد الحب ترغب بالزواج كمحاولة لاستعادة حريتها المفقودة، بينما قد يقودها ذلك إلى الانتحار كما حدث مع إيما بوفاري. 
وفي روايات القرن التاسع عشر، لم تكن المرأة مساوية للرجل فقد كانت المرأة مرتبطة تمامًا بالرجل لعدة قرون، ولم تكن موجودة أبدًا لنفسها. 
بل أمضت حياتها وهي تحلم سواء كانت نبيلة، تتمتع بقوة معينة أو خادمة، فلم يكن بإمكانها فعل شيء سوى الانغماس في هروب وهمي من عالم يهيمن عليه الذكور تمامًا. 
وقد كانت الإطاحة بحقوق الأمومة بمثابة الهزيمة التاريخيَّة الكبرى للجنس الأنثوي. 
فحتى في المنزل، كان الرجل هو الذي يتولى القيادة، والمرأة كانت منحطة، أو مستعبدة، لأنّها أصبحت عبداً لمتعة الإنسان وأداة بسيطة للتكاثر.. وهكذا كان الروائيون يرسمون أيضًا نوعًا من العبوديَّة التي تخضع لها البطلة، فالرجل يمارس سلطة طاغية عليها؛ وقد يستعبد زوجته وأولاده.