ذئـبُ إبليــس

ثقافة 2022/06/06
...

 أحمد حميد
 
من الصعب على القارئ أن يقتني كتاباً مجهول المضامين، ومحدود التداول في السوق المحلية، وتكمن هكذا صعوبة في الكتب الروائية، وكتّابها الشباب الناشئين، لذا تعد عملية اقتناء روايةٍ ما، والسهر على قراءتها بحثاً عن المتعة الفنية والسردية، أشبه بالمغامرة في الوقتِ والمالِ معاً. وهذا ما حصلَ بالفعل مع رواية (أزرق)، للروائي الشاب علي طه حجارة. 
علماً أن الرواية الأولى للأخير كانت ضمن الروايات الفائزة بجائز أجاثا كريستي للرواية البوليسية في الأردن، وما أكثر النتاجات الفائزة علناً، والخاسرة متناً وضمناً، بل أحياناً تكون وبالاً على كاتبها الذي يفشل في الإتيانِ بشيءٍ جديد بعد النجاح التسويقي لعملهِ الأول. وذلك لجهة الدوافع الكيفية وراء الجهات المنظمة لأغلب الجوائز الأدبية، لا بالمجمل.    
  يُقال إن الرواية «الناجحة» تجذبُ قارئها من صفحاتها الأولى، وإن كان في الحكمِ شيءٌ من التعميم غير المنطقي، لكنهُ بالفعل هناك روايات تأخذك من البداية متشوِّقاً، وإلى النهاية متحسِّراً على انتهاء تلك الرحلة الماتعة. وهذا ما لمستهُ في الرواية المتناولة في المقال. تتحدثُ رواية (أزرق)، المتكونة من (264) صفحةً، والمقسّمة على (21) فصلاً قصار، عن حياةٍ يتشابكُ فيها المقدّس والمدنّس في آن. 
المقدّس هنا، هي الوظيفة الجامعيّة، بينما المدنّس، يكمنُ بمهنة القتل والتعطش للدماء، وازهاق الأرواح، والعيش في عوالم مافياتية مظلمة. كلا الفعلين تجسدَ في شخصيةٍ واحدة، شخصية (فاضل داود) أستاذ الفلسفة في الجامعة المستنصرية، (ذئب إبليس) القاتل المأجور في وقتِ ما بعد
الجامعة.
  لم يستشعر البطل الروائي سلامهُ الداخلي، إلا في لحظةِ وقوعهِ بغرام عميلة جزائرية صادفَ وجودهما في اسطنبول، لتصفيةِ هدفٍ معين. أما زوجتهُ المسالمة (لمى)، فقد فشلت بفكِ شفرةِ عالمِ زوجها الغامض، وشرودهِ الذهني الدائمِ عنها. ولم تستطع أن تحتلَّ مساحةً في قلبهِ وشخصهِ المصنوع من هجين وتركيبة معقدة. بينما تمكنت (نبيلة) من تغطية تلك المساحة الفارغة من الوجدان والإحساس بالمرأة، ومرد ذلك التعالق؛ هو أن كلا القاتلين ينتميان لطفولة معذبة، تمكنت قيادات مافياتية من صناعة شخصيّتيهما المعقدتين.
   لم يسمح (ملاك) زعيم ومربي (ذئب إبليس)، بنمو المشاعر الإنسانية في داخل من تربى على يديه، رغم تغاضيهِ عن طموحِ (فاضل داود) في إكمال دراستهِ ونيلهِ شهادة الدكتوراه في الفلسفة. ولم تعنيهِ شخصية الأستاذ الجامعي، بقدر ما تعنيهِ شخصية (ذئب إبليس) المنفذ المطيع لأيِّ عمليةِ اغتيالٍ تناطُ إليهِ من قبله. لذا حاول أن يقتلَ عميلهُ في اسطنبول، ونجا بمساعدة (نبيلة) التي أسعفتهُ إلى وهران. ومن تلك البلدة الجزائرية حاولا البداية من جديد، والتخلي عن مهنة القتلِ بالأُجرة، إلا أن حلمهما بعالمٍ أزرق؛ ذهب سدىً لحظة تعرّضهما لهجومٍ مسلحٍ مباغت؛ كانت (نبيلة) ضحيته. 
  لم تكن ذكرى (نبيلة) وحدها وراء رغبة حبيبها بالانتصار لحياتهِ الإنسانية على حسابِ ما يعيشهُ من واقعٍ بوليسي، بل كانت لكلمات ذلك الكاهن المسيحي أثرٌ كبير في تنشيط سكونية ضمير الأستاذ الجامعي، صاحب العقل المنطقي المجادل لقيمِ السماء، على الرغمِ من اشمئزازهِ من قيمِ الأرض ودوافعها الإبليسية. قرارهُ بضرورةِ نهايةِ هذا الصراع، واللعبة السخيفة، قادهُ في النهاية إلى مواجهةِ زعيمهِ المافيوي (ملاك)، الذي باتت جمجمتهُ مسرحاً لرصاصاتِ ذلك الفيلسوف المنتقم
 لذاته.
تمكنَ الروائي الشاب، من بناء شخصياتهِ وحوارات سرديتهِ بدقةٍ شبهِ متناهيَّة، والأجمل أنهُ يكتب بقلمٍ رشيق، لديه مشاعر محايدة، لم يسقط بفخ البكائيات والعواطف المفرطة، مع توازٍ في مسارات الحدث، عند الشدِّ والاسترخاء.