المرأة بين العنف الأسري والموروث الاجتماعي

آراء 2022/06/07
...

 غازي فيصل
 
إن ظاهرة العنف الأسري في مجتمعنا ليست وليدة الساعة، ولاتعد امراً طارئاً ولاجديداً، بل هو ممتد في عمق التاريخ الإنساني، ويشكل العنف الأسري خطورة كبيرة على حياة الفرد والمجتمع، فهو يصيب الخلية الأولى في المجتمع بالخلل، مما يعيقها عن أداء وظائفها الاجتماعيَّة والتربويَّة الأساسية، ومن جهة ثانية يساعد على إنتاج أنماط السلوك والعلاقات غير سوية بين أفراد الأسرة، ويهدد حياة وصحة الأفراد، ويخل بالتماسك الأسري، ويحول البيئة الدافئة للأسرة إلى بؤرة للشقاء، والعذاب الذي يؤدي أحيانا إلى التمرد أو الانتحار، لأن العنف الأسري يعد أشد انواع العنف، لأنه خيانة في موضع الأمان، وقسوة في موضع الحنان، وتطفو ظاهرة العنف الأسري بوضوح عند غياب ثقافة الحوار والتشاور بين الزوجين، وبالتالي بين جميع أفراد الأسرة، فالعنف الأسري هو مشكلة عانت منها جميع المجتمعات بغض النظر عن الديانة أو الثقافة السائدة فيها، وهي من أقدم الظواهر التي عرفها المجتمع البشري على مر التاريخ، وبشكل يهدد بقاء وبناء الأسرة والمجتمع بأكمله.
منذ قرون والمرأة العراقية تعاني من العنف والغبن والتمييز والتخلف الاجتماعي . يبدو العنف الواقع على المرأة، ظاهرة ملازمة لكل حياة اجتماعية. فالوسط الاجتماعي ليس مجالا للتعاون فقط، بل هو مجال كذلك للصراع. وبتعبير ابن خلدون ليس الإنسان مدنيا بالطبع، بل هو عدواني بالطبع أيضا. وقد تطغى عدوانيته على اجتماعيته، فيتحول إلى خطر على الجميع، ما لم تكسر شوكته قوة وازعة وتبطل فيه نزعته إلى الأضرار.
وليست علاقة المرأة بالرجل في الأسرة والمجتمع دائما علاقة تعاونية، بل هي أيضا علاقة صراع، يكون العنف في بعضها هو المهيمن، فلا يترك مجالا لأي تبادل من أي نوع آخر كان، لا يمكن تجاهل أن أمر اضطهاد المرأة والحط من قدرها هو في جذره غريزي- تاريخي، (ولا نقصد غريزة الجنس هنا) للإنسان باعتباره حيوانا، بغض النظر عن تميزه عن باقي الحيوانات الأخرى، فغريزة التسلط موجودة ومتأصلة في الإنسان حاله حال باقي الحيوانات الأخرى، وقد نشأت ثقافة استضعاف الآخر واضطهاده واستعباده كتحصيل حاصل لهذه
 الغريزة.
لقد استضعفت المرأة، لأنها غير قادرة على القتال كالرجل في بيئات التصارع منذ فجر الإنسانية الأول، فتأسس لها وضدها تراث قائم على استضعاف  مكانتها وتحديد أدوارها ووظائفها، لتكون كالسلعة تباع وتشترى وتستخدم لإشباع الغريزة والشهوة وترمى وقت انتفاء حاجتها، وتقتل وقتما يشك بها، فثقافة العنف متجذرة في المجتمع العراقي لعصور من الزمن, أحد أسباب العنف الرئيسة هي النظرة الدونية للمرأة . تفضيل الذكر على الأنثى يبدأ من البيت من أول يوم لولادة الطفلة، حيث يولد التمييز معها بالولادة والوراثة. التمييز تحول إلى عادات وتقاليد موروثة لابل هو الآن ثقافة مجتمع, هذه الثقافة متأصلة بثقافة عشائرية قبلية عميقة في المجتمع . كانت القبيلة تريد رجالا لتحارب عن بقائها في المنطقة التي تسكنها. 
هناك العديد من الأعراف الاجتماعية المتخلفة في المجتمع العشائري والقبلي التي يعتبرها الكثيرون مخالفة للقوانين والأعراف الإنسانية، وفي ما يخص موضوعات الزواج منها ما يعرف (زواج 
الفصلية). 
فزواج الفصلية أو ما يسمى (زواج الدية)، هو عرف عشائري يقضي بتزويج امرأة من قبيلة إلى رجل في قبيلة أخرى، وفي جو يسوده الحزن والصمت تغيب مراسم الفرح غالبا في هذا النوع من الزواج عكس المظاهر التي تعمل الزواج الرسمي، تعتبر المرأة فصلية بموجب التقليد الذي تمليه العادات والتقاليد القبليةوالعشائرية القديمة، لحقن دماء العشائر المتخاصمة، وفي الغالب تعيش تحت ضغوط نفسية شديدة لا يمكن تحملها، منها ممارسة حياتها اليومية مثل الخادمة ولا يمكن أن تعترض على أي شيء، بل تنفذ الأوامر وتلبي طلبات العائلة، وكثيراً من الأحيان تنتهي حياة المرأة بالقتل بحجة الانتحار أو مزاعم عديدة منها الحوادث المؤسفة، ومن تداعيات العنف الأسري والظلم الاجتماعي، أصبحت المرأة ضحية زواج الدم.