باسم الأعسم

ثقافة 2022/06/11
...

 أنا الناقد باسم الأعسم بحسب الصفة الأدبيَّة والمنجز النقدي، ولدتُ مبتسماً على غير العادة، فتعالتْ وقتها هلاهل النسوة في أرجاء بيتنا الذي يبعد أمتاراً عن شط الدغارة فسميت باسماً، فعمَّ الفرح في أسرتي التي تعنى بالأدب والفن فهي تضمُّ القاص والناقد والمترجم والرسام وعندما تمكّنت من كتابة الشعر قلت بحقها: (إني شرفت بأني أنتمي بدمي/ لأسرة دأبها دوماً إلى القمم). 
ولأنني شغوف بالقراءة وعشق المسرح خاصة، إذ طالما مثلت، وأخرجت، وكتبت بعض المسرحيات، نجحت في الاختبار، فقبلت في أكاديمية الفنون الجميلة/ جامعة بغداد، ومن ثم أكملت دراستي العليا، واخترت أن أكتب في مضمار النقد المسرحي، فكان عنوان رسالتي: (النقد وعلاقته بمكونات العرض المسرحي ومكملاته)، ويذكر أنّها كانت الرسالة الأولى التي تتصدى الى موضوع نقد النقد في العراق والوطن العربي، وطبعت في دار الشؤون الثقافيَّة بعنوان (نقد النقد المسرحي)، وبعدها نلت شهادة الدكتوراة بامتياز عن أطروحتي الموسومة بـ (الجميل والجليل في الدراما) وطبعتها دائرة الثقافة والإعلام في الإمارات العربية المتحدة فأضحت مصدراً للباحثين والطلبة.
إنَّ القلق الإبداعي الذي يسكنني قادني إلى تذوق الشعر والكتابة عنه وفيه، فاصدرت كتاب (في الشعر والشعراء) وقبالته كتاب (نقد السرد)، الذي يعنى بالنقد القصصي والروائي. وأما في مضمار الخطاب المسرحي فصدرت لي كتب عدة منها (الثابت والمتحرك في الخطاب المسرحي) و(مقاربات في الخطاب المسرحي) و(نقد الخطاب المسرحي) و(خطابات ثقافية) ومؤخراً صدر لي كتاب (قراءات في النقد المسرحي) عن دار الشؤون الثقافيَّة، ولي قيد التأليف كتب أخرى.
 إنَّ الكتاب الأول الذي قرأته هو رواية (الغريب) لمؤلفها ألبير كامو، وأول مقال نقدي نشرته في ثمانينيات القرن الماضي هو (ملامح البطل في رواية الجريمة والعقاب) لدوستويفسكي، وآخر كتاب قرأته (نظام التفاهة) لمؤلفه الناقد والأكاديمي الكندي ألآن دونو المناهض للرأسماليَّة.
وعلى الصعيد العاطفي كان الحب الأول لحبيبتي أم الأمير، التي قاسمتني الهم والقلق والحب، لكن وفاة الأب شكلت لي صدمة مهولة بحق، وأما رحيل الأم، فكان الفقد الأقسى في حياتي، لكن مجيء أبنائي، وصدور مؤلفاتي كان الفرحة الكبرى، التي فاقت فرحتي بنيل لقب البروفسور.
أما أكثر شيء أحبه فهو الجمال، في حين أمقت القبح في السلوك والفكر، ولذلك كتبت عن الجمال ودرّست علم الجمال، وحرصت ولم أزل أن أكون جميلاً في منطلقاتي ومظهري، وذائقتي، وسلوكي، وأما بخصوص الجنة فاتخيلها عالما ضاجَّا بالجمال الربّاني تجري من تحته أنهار العطر والعسل، ومن فوقه الحوريَّات، على وفق المنطق الميتافيزيقي، وأشدُّ ما يغضبني، ناكر الجميل ومشهد النسوة المتسكّعات المستعطيات ويؤرقني المجهول.
وضمن الحراك الثقافي والعلمي، انتخبت عميداً لكلية الآداب لجامعة القادسية، عقب سقوط النظام، وبعد سنوات 
كلفت بتسنم منصب عميد كلية الفنون الجميلة.
  وفي ما يتعلق بمشواري الإبداعي، فإنَّ عشرات البحوث الأكاديميَّة ومئات المقالات، والدراسات الثقافيّة والنقديّة، والكتب التي نشرتها، تعد علامات معرفيّة دالة على عالمي الكتابي، وطبيعة توجهي الثقافي، الذي يترجم ذاتي المسكونة بالإبداع والجدل، فما زلت أحلم بمزيدٍ من العطاء عبر الكتابة التي هي أعظم أداة للدلالة على الذات، والتي تحيق بالمخاوف والأحزان والخيبات، كما أنَّ النقد الذي أكتبه يعينني على فهم نفسي والعالم، وعندما أقول: هذا أنا، أشير - بالضرورة - إلى ممكناتي ومنجزي الثقافي والفكري، المتحقق بفعل الهم والقلق الخلّاق.
وها أنا ألخص للقراء ــ بابتسار شديد ــ  بعضاً من سيرتي الأدبيَّة والعلميَّة وأرجو أن تروق لهم، بوصفها مرآة الذات الناصعة.