الدراسات العليا وتحديات الفساد

آراء 2022/06/12
...

 إياد مهدي عباس 
أصبح من الأهمية بمكان أن نسلط الضوء على ظاهرة باتت أكثر شيوعاً وانتشاراً من أي فترة زمنية أخرى، ألا وهي ظاهرة انتشار الدراسات العليا بين خريجي الجامعات، ممن يحملون الشهادات الجامعية، وهذه الظاهرة بقدر ماهي محط اعتزاز وتفاؤل بقدر ما هي عامل خوف وقلق، لأنها تتعلق بسمعة التعليم العالي والتصنيف العلمي للشهادات العليا في العراق، ومدى مقبوليتها والاعتراف بها من قبل الأوساط العلمية العالمية منها أو العربية
حيث ثمة من يرى أن هنالك إقبالا غير مسبوق على الدراسات العليا، خصوصاً من قبل غير النخب الطلابية المتفوقة كما هو معتاد، والتي كانت درجاتها هي من تؤهلها لخوض غمار هذه الدراسات، وليست علاقاتها الشخصية او امتيازاتها المكتسبة، بينما يرى البعض الأخر أن زيادة أعداد الحاصلين على الشهادات العليا هو أمر طبيعي في ظل زيادة عدد الجامعات في البلاد، وبالتالي زيادة المقاعد الدراسية للحصول على الشهادات العليا في داخل العراق او خارجه أمر ضروري ومهم لتغطية حاجة التوسع الحاصل في عدد الجامعات وكلياتها ورفدها بالاختصاصات التدريسية المختلفة .
 إلا أن من الواضح في السنوات الأخيرة أصبح موضوع الحصول على الماجستير او الدكتوراه أشبه ما يكون بالموضة، او التقليد لدى الكثير من الراغبين بالحصول عليها، من دون أن يكون لدى البعض منهم أي هدف أو تخطيط مسبق للحصول على الشهادة العليا، إنما أصبحت هنالك رغبة في الحصول عليها، إسوة بزميله في الدائرة أو صديقه، الذي حصل على مقعد دراسي في دولة من الدول، التي تمنح الشهادات العليا بصورة سهلة، ومن دون مراعاة الرصانة العلمية فيها. 
إن حملة الشهادات العليا في اي بلد هي النخبة، التي تقع على عاتقها مهمة النهوض بالواقع العلمي والثقافي لذلك البلد، والمضي به نحو التطور والارتقاء العلمي والثقافي، ومؤشر إيجابي على جودة التعليم والمسيرة العلمية فيه، بشرط أن تكون ضمن الشروط والضوابط العلمية المتبعة والمعترف بها من قبل الجامعات العالمية، وإن سعي البعض للحصول على شهادة عليا ضمن ما يراه مناسباً لقدراته وتطلعاته واختصاصه، هو حق مشروع له ولجميع من يمتلك الرغبة والإرادة الحقيقية للتزود بالعلوم والمعارف المختلفة، لكن ليس بهذا الطريقة التي نراها او نسمع عنها في هذه الأيام، وهي من خلال وجود دكاكين مفتوحة لبيع وشراء الأطاريح العلمية والأبحاث الجاهزة وبشكل فاضح، خصوصاً في بعض الدول المعروفه بمنحها للشهادات والألقاب العلمية خارج الضوابط العلمية مقابل مبالغ مادية معينة.  بينما هنالك في المقابل من يحصل على شهادة عليا بطريقة علمية واحترافية، اذ يعتمد في تحصيلها على جهوده المخلصة وبحثه الرصين، ومن جامعة معروفة بمنهجيتها العلمية، وعدم تساهلها في منح الشهادة الا وفق الضوابط العلمية المعتبرة. 
ما أريد قوله هو أن في السنوات القليلة الماضية كانت نظرة المجتمع إلى صاحب الشهادة العليا، نظرة فيها كثير من الاحترام والإعجاب، بينما في الوقت الحالي وبسبب تغلل الفساد إلى هذا القطاع العلمي المهم والحيوي، تغيرت تلك النظرة وأصبحت الشهادة العليا لا تمثل انجازاً علمياً كبيراً كما هو معلوم، وليس القصد بذلك كل الشهادات العليا أو كل الاختصاصات، بل هنالك اختصاصات غير قابلة للمساومة والتساهل في منح الشهادة العليا في تخصصها.
 فالمطلوب من الجهات المسؤولة المحافظة على مكانة الشهادة العليا في جميع الاختصاصات باعتبارها قيمة علمية كبيرة، وأن الحط من مكانتها هو اسقاط لمكانة التعليم العالي في البلاد، وبالتالي الحط من قيمة الشهادة الجامعية للخريج
 العراقي.