ريتشارد رورتي.. العقل نظير الطبيعة

ثقافة 2022/06/13
...

 عصام كاظم جري 
 
ريتشارد رورتي فيلسوف ومفكر وتربويّ، أستاذ جامعيّ وكاتب أميركيّ، ولِد في نيويورك، عام1931. ودرس في جامعة شيكاغو وجامعة «يل» الأميركيّة، وعمل أستاذا في جامعة برينستون، وكلية ويليسلي، وأصبح بعدها رئيساً لقسم العلوم الإنسانيّة في جامعة فيرجينيا، ثم التحق بقسم الأدب المُقارن في جامعة ستانفورد، وقدَّم محاضراته في عدد كبير من جامعات العالم منها: جامعات إيطالية وبريطانية وألمانية وإسترالية وغيرها.. ويعدُّ واحدا من أبرز فلاسفة ما بعد الحداثة، واشتهر بمؤلّفاته في الفلسفة، والأداب، والأدب المُقارن، والسّياسة، ونظريات الأدب المُختلفة. ولعلَّه أول من دعا إلى تحرير الفلسفة من قيودها التحليليّة، وإعادة النظر في إشكالياتها الباطنيّة والعودة إلى ما يمت بصلة للإنسان والحياة معا، بعيدا عن الفلسفة التقليديّة. اهتمَّ ريتشارد رورتي اهتماما واسعا بالفلسفة التحليليّة المُعاصرة وتاريخ الفلسفة، وقد رسمتِ الفلسفةُ التحليليّة تجربته كأوّل حجر في بناء أطروحاته الفلسفيّة والأدبيّة والسياسيّة عبر مشواره الأكاديميّ التنويريّ المتجدد، ثم نبذها فيما بعد، وتخلّى عن التقليد الفلسفيّ وأعلن عدم قبوله بالتقليد الذي كان موافقا للغرض آنذاك. ريتشارد رورتي مؤمنٌ باستقلالية العالم بشكل كامل عن ذلك التمثيل التقليدي الفلسفيّ القديم، وبدأ بمناهضة بعض النّزعات الفكريّة. وقدّم وجهة نظر متكاملة إلى حدٍّ ما، ومتنوعة الأوجه حول السّياسة والفكر والمعرفة والثّقافة والنّظريات الأدبيّة، وإن هذا الإصرار جعل منه أحد أبرز وأكثر فلاسفة القرن العشرين جدلا ونقاشا وإشكالية.أصدر ريتشارد رورتي مجموعة كتب من بينها كتابا معرفيّا وفلسفيّا مهما: (الفلسفة ومرآة الطبيعة). و(للطبيعة اثنان من المعاني المتداخلة في الفلسفة. فهي تعني من ناحية مجموع كل الأشياء الطبيعيّة، أو كل ما يندرج تحت قوانين الطبيعة. كما تعني من ناحية أخرى جوهر وأسباب الأشياء الفردية). ويعدُّ هذا الكتاب الأكثر تأثيرا، جسَّد فيه فكرة المعرفة عبر التاريخ الفلسفيّ، وقدّم صورا متناقضة عن الفلسفة وعن فكرة الفلسفة، وإن محور هذا الكتاب يؤكد أن الحياة خارج العقل، فأغلب المشكلات تجذرت بفعل الاستعارات الفردية المتحكمة بالعقل والمعرفة والأدب والسياسة والتي فقدت أحد أركانها، لذا لا بدَّ من التحرر الفعليّ الكامل، ويعدُّ كتاب (الفلسفة ومرآة الطبيعة) من أهمّ مؤلفاته وقد وصف بعض الدارسين الكتاب بالآتي: (كتاب الفلسفة ومرآة الطبيعة، في الحقيقة يرى المختصون بالدراسات والكتب الفلسفية الواقعية أنه لحدثٌ يجذب العقل بشدة حين تظهر دراسة مهتمة بالمركزيّة، هي النتيجة الطبيعيّة التى ينتظرها الإنسان العادي من الفيلسوف، سيبقى هذا العمل، وسيُخلد بين الأعمال الفلسفيّة العظيمة لما يحمله من علم وأسلوب مميز، كتاب أنيق في أسلوبه سهل التوزيع في محتواه يجذب القارئ منذ بدايته). وقد تُرجِم إلى عدة لغات منها الألمانيّة، والإيطاليّة، والبرتغاليّة، والفرنسيّة، والروسيّة، واليابانيّة، والعربيّة... إلخ. 
ومن أهمّ مؤلفاته أيضاً (عواقب البراغماتية) إذ يضعه الدارسون في المرتبة الثانية بعد (الفلسفة ومرآة الطبيعة) وقد تُرجِمَ أيضاً إلى عدد من اللغات الأخرى. 
لقد نالت كتابات ريتشارد رورتي في الفلسفة نصيباً غير معهود من الانتشار، والقراءة والتّوزيع، وقد اهتمَّ ريتشارد رورتي بالمواظَبة في كشف اليسار الثقافيّ واتجاهاته القديمة، وكذلك كشف النزعة الاكاديميّة التقليدية، وقال: (تنازلوا عن تقليد الفلسفة). ودعا لوضع حدٍّ فاصلٍ من ظاهرة الفقر وتخفيف الظلم الاجتماعيّ، ويرى أن هذا الظلم يؤدي بالضرورة إلى ظهور مجتمعات مُغلقة على نفسها باِطّراد تام. ودعا الى الاهتمام بقضايا أكثر تقدمية وتنويريّة، ويؤكد على تفصيل نطاق الحقوق الاجتماعيّة أكثر مما ينبغي، ومحاربة روح الطبقيَّة والعصبيّة، والفئوية، وتمثيل مجتمع يتنعَّم بالعدل والمدنية والسّلطة المطلقة بعيدة عن سلطة الدِّين وبعض المفاهيم الأخرى المماثلة لسلطة الدِّين.
ودعا كذلك إلى الخروج عن الأطر الاكاديميّة رغم أن جذوره أكاديميّة وتربويّة ولا سيما في علم الفلسفة. فضلا عن دعوته إلى الاحتذاء بأنموذج المفكرين والشّعراء الذين زاولوا الفعل السّياسيّ في السّابق، وثبَّتوا دعائم الديمقراطيّة، ومن بينهم الشّاعر:
(والت ويتمان).