نزار سليم.. ألوان من صباحات الأزقة القديمة

ثقافة 2022/06/13
...

 باسم عبد الحميد حمودي
  
في 24 حزيران 1982، أقيم ببغداد معرض التشكيلي نزار سليم في أربعينيته، وقد عرضت فيه معظم رسومه الزيتيَّة والمائيَّة وبعض منحوتاته ورسومه الكاريكاتيريَّة.
أشرف على هذا المعرض شبه الاستعادي ولده البكر الرسام (رشاد) صاحب المغامرة البحريَّة مع هيريدال ونقابة الفنانين العراقيين الذي أسهم نزار سليم في دعمها عندما كان مديراً عاماً للفنون في وزارة الثقافة.. بعد إبعاده عن وزارة 
الخارجيَّة.
ولد الرسَّام والنحَّات نزار سليم في أنقرة في 15 آذار 1925 ووالده محمد سليم، وهو رسام أيضاً، وقارئ مقام وخبير قراءات قرآنيَّة، إذ عُيّن عضواً في لجنة اختيار القراء في الإذاعة العراقيَّة منذ تأسيسها عام 1936.
أخوة نزار هم رشاد وسعاد وجواد ثم نزيهة وكلهم أساتذة صنعة في الرسم والنحت، أبرزهم (جواد سليم) صاحب (نصب الحريَّة) والباقون برزوا في الرسم والنحت فيما اختار سعاد الرسوم الكاريكاتيرية والخط.
عرف نزار فضلا عن رسومه المستوحاة من محيطه البغدادي الشعبي، بالتفوق في فن الكاريكاتير، وظهرت رسومه الأولى الانتقاديَّة في ملحق جريدة (الأهالي) الثقافي، وفي بعض الصحف المحليَّة، حتى نشرت رسومه الكاريكاتيرية في جريدة (الجمهوريَّة) تحت عنواني (رمضانيات) و(مروريات).. وقد أسس نزار مع مجموعة من شباب الرسم بينهم ضياء الحجار وعبد الرحيم ياسر مجموعة فنيَّة للكاريكاتير ببغداد، وأختير نزار ضمن أهم 100 رسام كاريكاتيري في العالم.
كان نزار صبياً قد نشر ملصق جريدته (الصبا) بعد الاتفاق بين أخوته الرسامين، وأسس جماعة (الوقت الضائع) هو ومجموعة من الشباب يتقدمهم شقيقه الأكبر (جواد) وصديقاه خلدون ساطع الحصري وعدنان رؤوف فضلاً عن جميل حمودي وبلند الحيدري وحسين هداوي ومحسن مهدي (والأخيران كانا من طلبة
الكليات).
كان من حُضَّار الجماعة السادة: فؤاد التكرلي ونهاد التكرلي وعبد الملك نوري، وقد وثق بعض هذه الجلسات الحاشدة علي الشوك في مجلة (الأديب) البيروتيَّة، تعرض للنقاشات 
التي تدور فيها.
اختار هؤلاء الشبان مكاناً لعقد لقاءاتهم مقابل النادي الأولمبي (نادي الأعظميَّة الحالي) وأسسوا مقهى باسم (مقهى الواق واق)، واستضافوا في غرفة على السطح صديقهم الصحفي الشاب حسين مردان القادم من بعقوبة.
كانت لقاءات جماعة (الوقت الضائع) الجادة تدور حول الظواهر الجديدة في التشكيل والأدب، ويدور الحوار فيها عن رسوم بيكاسو وغوغان والحركات السرياليَّة والتكعيبيَّة والظواهر الجديدة في الأدب.
أصدر هؤلاء عدداً واحداً من صحيفة الوقت الضائع، نشر جزءا من صفحاتها الشاعر الصديق بلند الحيدري في العدد الأول من مجلة (العلوم) البيروتيَّة والتي كان يشرف عليها صحفيَّاً عام 1972.  
وقد التقيته في الرياض عام 1986، وحدثني عن اعتزازه بتجربتهم البكر هذه، واصداره هو ديوانه الأول (خفقة الطين) ضمن منشورات (الوقت الضائع)، فيما أصدر نزار من منشورات الجماعة مجموعته القصصيَّة الأولى (أشياء تافهة) التي ازدانت برسومه التعبيريَّة.
يقول نزار سليم في الفولدر الخاص بمعرضه التكريمي عام 1979 (يستغل الفنان جميع حواسه أو يوظفها مرة واحدة باللمس والسمع والذوق والبصر بتكامل وكثافة خلال تجربة المعايشة المستمرة والكينونة المتنامية موظفا طاقاته الخاصة لإدارة تعبيره بالصور، الكلمة، اللون والشكل)، وهو في ذلك وظف ذلك الإحساس العالي بموضوعاته البغداديَّة الشعبيَّة التي تختار اللقطة (شرب الشاي، 
الدربونة).